الجهود الكبيرة التي بذلها الأردن في التخطيط والدعوة والتحضير والتنظيم والضيافة والاستقبال والإدارة للقمة، كانت على مستوى حاز على تقدير وإعجاب الضيوف، وأسهم في رفع منسوب ثقة المواطنين بمؤسساتهم وقدراتها على إنجاز مهامها بكفاءة وتميز واقتدار.
على مدار الأشهر والاسابيع الماضية، عملت المؤسسات الاردنية على توظيف مكانة الاردن وسمعته وتقدير العالم لأدواره وتعاونه واعتداله في التحضير الدقيق المتقن لعقد القمة العربية في وسط اكثر اقاليم العالم دموية وتشتتا وصراعا، بعد ان تعذر انعقادها في اليمن التي فقد فيها النظام عاصمته صنعاء.
لقد جاء انعقاد المؤتمر في الاردن ليحمل دلالات سياسية وتاريخية وروحية وثقافية وقومية وجغرافية، يصعب حصرها، فكان أشبه ما يكون بمناورة ميدانية تضع الحكام العرب في مواجهة الاهداف التي جاءوا من اجل مناقشتها. فهم يجتمعون عند اخفض نقطة ليناقشوا اوضاع الامة وهي في أسوأ حالات تفككها وخلافاتها، غير بعيدين عن بؤر ازماتها وصراعاتها المشتعلة في سورية شمالا وفلسطين غربا والعراق شرقا.
القمة العربية وضعت على طاولة الحكام العرب التحديات التي لخصتها كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني، والمتمثلة في تحدي الارهاب والقضية الفلسطينية والاوضاع في سورية والعراق واليمن وليبيا، وأزمة اللجوء، وأوضاع القدس، اضافة الى بعض القضايا الواردة في كلمات بعض القادة العرب، كقضية التدخل الايراني في شؤون الغير، وقضايا الشباب العربي، وتطوير عمل الجامعة العربية وتوسيع اهتماماتها واختصاصاتها ومساحة العمل والتدخل، وغيرها من القضايا التي تخصّ بعض البلدان العربية.
"اعلان عمان" الذي حمل نتائج المؤتمر اشتمل على خمسة عشر بندا جرت صياغتها لتعبر عن مواقف وافكار المشاركين حيال الصراع العربي الاسرائيلي، معلنين تمسكهم بالمبادرة العربية وحل الدولتين، ومؤكدين رفض الممارسات الاسرائيلية التي تغير الحقائق وتضعف فرص الحل، والتأكيد على دعمهم لجهود الاردن في الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
كما أكد المؤتمر على وجود حاجة الى استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، وأقر ضرورة تكثيف الجهود لإيجاد حل للازمة السورية ودعم العراق. وتعرض الى الأزمتين الليبية واليمنية وحق الامارات في الجزر الثلاث وإدانة التدخل في شؤون البلدان العربية، وغيرها من البنود التي استهلت بعبارات "نؤكد ونشدد ونجدد ونهنئ ونعرب ونلتزم ".
البنود التي تضمنها البيان مهمة كوثيقة تعبر عن تشخيص الحكام العرب لواقع الامة وأولوياتها في هذه المرحلة، لكنها لا تشتمل على كل القضايا المقلقة للمواطن العربي، وقد لا تعكس الكثير من الأولويات التي تؤثر على حياة ومستقبل الإنسان العربي وتحمل تطلعاته وآماله.
في العالم العربي ما تزال الأوضاع الاقتصادية الصعبة للكثير من الشعوب العربية أولوية تشكل تهديدا لأمن واستقرار المجتمعات العربية، وتثير تساؤلات كبرى حول مستقبلها. في مصر واليمن والمغرب وسورية والعراق واليمن وموريتانيا وجيبوتي والسودان والصومال، وغيرها من البلدان العربية، هناك مخاوف كبيرة من تنامي رقعة الفقر وزيادة قاعدة الفقراء. وفي بعض هذه المجتمعات يعاني المواطن من الجوع والنقص الحاد في مستلزمات الحياة اليومية الناجمة عن الفساد وغياب التنمية وتراجع الإنتاج وشح الموارد وزيادة معدلات البطالة وتنامي الجريمة والانتحار وغيرها من المشكلات التي اصبحت تحاصر المجتمعات وتهدد استقرارها.
بدون ديمقراطية ومشاركة شعبية واسعة في العملية السياسية يبقى المواطن العربي مغتربا ومنعزلا ويائسا. ومع أن غالبية سكان الارض تحولوا الى شركاء في صناعة مستقبلهم وحماية حاضرهم ومنجزاتهم، الا ان العالم العربي بقي مترددا في الانتقال الفعلي نحو الديمقراطية الحقيقية ومنح الأفراد حقوقهم الكاملة في التفكير والتنظيم والتعبير عن خياراتهم من خلال الاحزاب والمشاركة السياسية.
في هذه القمة، والقمم السابقة، ظل ملف الإصلاح والمشاركة السياسية بعيدا عن الأجندة وخارج إطار اهتماماتها.
إضافة لما تقدم فان البحث في الارهاب والتطرف والمشكلات الاقتصادية وحاجات التنمية لا يمكن ان يتم بمعزل عن قضايا الحقوق والحرية والعدالة والفساد ومستوى النزاهة وسيادة القانون.
اسرائيل التي لا تخشى ايا من القوى العالمية، تتبجح بأنها الديمقراطية الوحيدة في المحيط، وأن قادتها يعبرون عن ارادة ناخبيهم في كل حركة او موقف يتخذونه. الديمقراطية يمكن ان تكسب أمتنا قيمة ووزنا وتأثيرا يتجاوز ما تتمتع به اليوم على المسرحين الإقليمي والدولي.
الغد