لم اكتب عن انعقاد مؤتمر القمه العربيه في الاردن بدورته الثامنه والعشرين قبل الآن, ولكني كنت اتابع تقريباً كل ما كتب عنها, ولقد لاحظت ان هنالك من كان في كتاباته مفرطاً بتوقعاته الايجابيه من انعقاد القمه وهو بذلك يحملها فوق طاقتها ويجعل عدم تحقيق هذه التوقعات بمثابه خيبه امل فيها . كما لاحظت ان هنالك من كان مغرقاً بتوقعاته السلبيه عن القمه وعن نتائجها مستنداً الى نتائج قمم سابقه ومتناسياً انه ورغم خيبات الامل من كثير من هذه القمم الا انه لانستطيع ان ننكر بعض الايجابيات منها .

وهنالك من كان ينظر اليها بواقعية مدركاً امكانياتها والظروف التي عقدت فيها واهميه المكان الذي عقدت فيه خلال هذا الظروف .

ولكن البعض تناولها بالكثير من الاستخفاف والتسطيح وبموقف عدمي لا ينظر الا للقسم الفارغ من الكأس.

انا كنت اقارن بين هذه القمة والقمة الاستثنائيه التي عقدت في عمان عام ١٩٨٧ والتي عرفت بقمة الوفاق والاتفاق والتي عُقدت بوسط حاله شديده من التشرذم والخلاف العربي-العربي. حيث كانت عضوية مصر في الجامعة العربية معلقة نتيجة توقيعها اتفاقيه كامب ديفيد, وكانت العلاقات ما بين دولتي جناحي حزب البعث سوريا والعراق في اسوء حالاتها حيث حضر الرئيس العراقي صدام حسين واقام خارج فندق القمة الذي كانت تعقد فيه الاجتماعات ويقيم به الزعماء العرب وبرفقته عدد كبير من الحرس الخاص بملابسهم الرسمية والمنتشرين في الشوارع المحيطه بمكان اقامته وكأنه لا سلطه للأردن عليها. وكان افراد حرسه داخل فندق القمه يحملون مسدساتهم على جنبهم واقسامها مسحوبة وجاهزة للاطلاق ولكنهم رغم ذاك كانوا مأدبين ومنضبطين. فيما اقام الرئيس السوري في مكان آخر من عمان وبرفقته ما يشبه الشبيحة المسلحين في ملابس مدنية وقد اقاموا الحواجز في الشوارع المحيطه بمكان اقامة رئيسهم. وكان عناصر حراسته داخل الفندق من الفظاظه والعدائية التي وصلت الى مرحله الإعتداء على احد المسؤولين الامنيين الاردنيين داخل الفندق وامام نظر جميع الزعماء العرب.

اما بالنسبه للملك الحسن ملك المغرب فقد اعلن انه سوف يحضر المؤتمر وانه سيقيم في منزل السفير المغربي في عمان. وقد حضر العشرات من العمال الفنيين المغاربه في مجال الديكور والحفر والرسم على الجدران واحضروا معهم كل ما يلزمهم من مواد حتى الرمل والاسمنت وغيرها من المواد بالاضافه الى مطبخ خاص بمعداته وطعامه وحلله تم احضارهم الى عمان في عده طائرات، وامضوا عده ايام وهم يعملون كخليه نحل ليلاً ونهاراً في اعاده تأهيل منزل السفير والذي تحولت جدرانه الى لوحات ابداعيه من الفن. وقد تم ارسال اثاث جديد للمنزل بما فيها غرفه نوم الملك الحسن. وفي اللحظات الاخيره اعلن الملك الحسن انه لن يحضر القمه وارسل ولي عهده ( الملك الحالي محمد السادس ) والذي اقام في فندق القمه بعد ان فاز منزل السفير بالتحسينات.

الا انه رغم جميع الظروف الصعبه فقد تمكن المغفور له بأذن الله تعالى الملك الحسين من جمع جميع الدول العربيه بتناقضاتها ومشاركتهم في هذه القمه الاستثنائيه كما استطاع بحنكته ان يحتوي الخلافات العربيه وان يحول دون تطورها الى صراع مسلح سواء داخل فندق القمه او ما بين دولها. وان يعبر في القمه الى بر الامان.

كما ان هذه القمة فتحت الباب لعوده مصر للجامعه العربيه وعوده الجامعه اليها . اذ قرر القاده العرب ان العلاقه الدبلوماسيه مابين اي دوله عضو في الجامعه العربيه وبين مصر هي من اعمال السياده تقرره كل دوله بموجب دستورها وقوانينها وليست من اختصاصات الجامعه العربيه .وقد اعتبرت تلك القمه من انجح القمم العربيه التي عقدت حتى ذلك الوقت .

وعن هذه القمه الاخير وفي ظل الظروف الاشد ظلمه وقساوه وعداوه بين بعض الدول العربيه مما كانت عليه في القمه السابقه ، ووسط الربيع العربي الذي تحول الى خريف عربي ووسط الحروب الاهليه والقتل والتدمير في العديد من هذه الدول . ووسط هذا الارهاب المتتعاظم والمنتشر في معظم الدول العربيه وعلى مقربه من حدودنا ، فأن مجرد التفكير بعقد هذه القمه في الاردن كان كمن يفكر بعمل المستحيل فما بالك بأن يكون مكان انعقادها في البحر الميت .

الا ان جلاله الملك عبد الله ابن الحسين "ابا حسين" جعل من المستحيل امراً ممكناً. وليس كذلك فقط فقد شهدت هذه القمه اعلى مستوى من المشاركه المباشره للزعماء العرب. وأن تحقيق ذلك يعتبر نجاحاً كبيراً للاردن بغض النظر عما يمكن ان تتمخض عنه هذه القمه من قرارات . كما انه يدل على مدى قدره وثقه الاردن بنفسه وبمؤسساته الامنيه بعقد هذه القمه في وسط النيران المشتعله بكل مكان ومدى ثقه الدول العربيه بأمكانيه الاردن بتحقيق ذلك . وهذا بحد ذاته نجاح للأردن وللقمه لا يجوز انكاره ولا القفز عليه مما جعل منها بحق قمه استثنائيه .

ومن متابعاتي لمجريات القمه وأجراءاتها والكلمات التي القيت والبيان الختامي الذي صدر عنها والذي اطلق عليه اسم بيان عمان فقد وجدت ان فيها من الايجابيات الكثير بالرغم من بعض السلبيات والانتقادات الشكليه التي لا تخل بالنتائج اذا توفرت النيه الصادقه لترجمه محتويات هذا البيان الى عمل فعلي ومستمر وان لا تتطاير بنود هذا الاعلان في الهواء مع اقلاع طائرات الزعماء العرب وهم عائدين الى بلادهم.