لا فقرنا فقر .. ولا غـنانا غنى ، فماذا نحن فاعلون ?
16-11-2008 09:34 PM
لا يمكن بأي حال من الأحوال ولا تحت أي ظرف أو تبرير أن تكون أخلاقنا وتصرفاتنا ومشاركتنا الجماعية بهذا الشكل المخجل وغير المسؤول والأناني .. بل إن تصرفاتنا في الأزمات تشبه تصرفات الميليشات وتجار زمن الحروب . ولصوص المرحلة الخالية من أي إحساس بالمواطنة والمسؤولية الاجتماعية والاخلاقية فقراء كنا أم أغنياء ، تجار كنا أم مستهكلون .
عندما تتعطل إشارة ضوئية على شارع رئيس ، تعوم الشوارع بالمركبات ، ويضج الفضاء بأبواق السيارات وصراخ السائقين .. حينما يستشعر صاحب محطة وقود بقرب تخفيض أو رفع لأسعار المشتقات النفطية يضرب "بأخلاق الإنسان " عرض الحائط ، ويترك المستهلك يتمنى زمن الدواب .. عندما تقرر شركة الكهرباء رفع أسعار الكهرباء ، و"تشليح" المستهلك الذي بدأ منذ زمن الاعتماد على مبدأ التقشف وإضاءة غرفة واحدة حتى لا يترك مبررا للشركة للانقضاض على جيبه ..
عندما يستغل التاجر الظروف العالمية والمحلية لرفع أسعار المواد ما ارتفع منا وما انخفض .. عندما يتبجح كثير من المواطنين ممن هبطت عليهم الثروات فجأة بمكافأة صبيانهم وبناتهم بأحدث ما توصلت اليه صناعة السيارات الفارهة والمحركات ذات السعة العالية لتمخر شوارع لا تستطيع الأمانة والبلديات ان تبقيها معبدة دائما وخالية من الحفر والمطبات .. مقابل طوابير من المنتظرين حافلات النقل العام التي عاثت في الشوارع سرعة ، وبالمواطنين ترويعا ، وبالسلامة العامة تهديدا من أجل" حفنة شلنات " .. حينها لا يلومنا أحد إن قال إننا شعب متخلف فكريا وتنظيميا وانتمائيا وإنسانيا حتى .
وعندما يظن وزير الطاقة والثروة المعدنية ووزير الصناعة والتجارة ومن قارف ظنهم ، وسعى في مناكبهم ، إن الوزارة لا تغدو عن كونها منصب محمي ومصان وفوق شبهات الظن بالتقصير ، وان مناصبهم حق مكتسب يضفي عليه التأنق بالهندام وربطات العنق الحريرية .. وحفظ جزء من الوصايا الخمس ، وموشحات التبرير والتملص من الأسئلة المتواضعة بأجوبة واهية .. وإن على رئيس الحكومة القيام بأعمال رب الأسرة وشيخ العشيرة ومختار الحارة وخباز الشارع وقائد المخفر وسائق باص المدرسة بل والأدهى الفيلسوف والعالم والطبيب ، فضلا عن قارىء الفنجان .. فتلك لعمري هي مصيبة المسؤولية اللا مسؤولة في بلدنا .. وزراء بلا وزر .. وتجار بلا أمانة .. و كثير من مواطنين بلا وطنية .. وحان وقت اللطمة القوية على الوجوه الغافلة واللا مبالية أكانت مسؤولة مسؤولية رسمية أم فردية .. فالوزير الذي لا يستطيع أن يعمل بإخلاص على الأقل ، فليذهب الى فراشه الدافىء ولينم نوما هانئا في أحضان بيته الأغلى من الوطن !
نحن مقبلون على فصل شتاء ، وبعد الاتكال دوما على الله تعالى ، فإن المعروف عن فصل الشتاء بتقلباته هو فصل الغرق في وحول التنظير و عدم التنظيم ، واالتهافت على المحروقات بهدف التدفئة ، وانقطاع كثير من حاجيات المواطنين ، وأزمة السير الخانقة .. فإن لم نكن جميعا على قدر المسؤولية الفردية والجماعية .. فلا بنا ولا بهذا الوطن الذي نفاخر .
إن مشهد اصطفاف المركبات مثلا على جنبات الطرق ، وأمام محطات الوقود الفارغة ، وعلى تقاطعات الشوارع الرئيسة في العاصمة مثلا ، يعيدنا بالفعل الى مظاهر الحروب لا قدر الله .
لقد كان جسر البربير مثلا والذي يفصل بيروت الغربية عن الشرقية أيام الحرب الاهلية ونهايتها مثالا حيا لكثير من المشاهد التي نراها صيفا وشتاءا في شوارع عمان ، ولكن الفرق إن بيروت كانت مرتعا للميلشيات وجيوش الاحزاب والخارجين عن الوطنية واللبنانية الشرعية المختبئين خلف الحواجز الترابية والحواجز الطيارة .. كما ان الاصطفاف الطويل من قبل طوابير البشر وارتال السيارات على محطات الوقود في شوارع بغداد الجريحة غير بعيد المشهد عن شقيقتها عمان ..
وبين هذا وذاك لا ننسى إن الحكومة عندما رفعت يدها عن العديد من القطاعات الحيوية والمتصلة مباشرة بالأمن الغذائي والاجتماعي للوطن والمواطن عندها بانت عورة اقتصاد وسوق الفرد وتحكم الأفراد بمصير الشعوب ، ليزدادوا هم ثراء ويزداد الشعب فقرا وجوعا وحاجة .. وحان وقت عودة الدولة وعدم الاكتفاء بالمراقبة.
وحتى لا نكيل التهم جزافا على محطات الوقود مثلا ، فإننا نسأل أين دور مصفاة البترول التي يجب ان تتنبه لها الحكومة ولا تفلتها من يدها فتتمرد يوما ما حينما يشتري حصصها الشريك الاستراتيجي ويرمى بموظفيها في الشارع .
أليس حري بالمصفاة أن تخبر أصحاب المحطات عن مواعيد تغيير التسعيرة وتضبط كميات الوقود فيها ، وتبيعهم بسعر اليوم وان انخفض السعر في اليوم التالي تحسب الكمية غير المباعة وتعوض فرق النقص لديهم ، فالحكومة أأمن مئة مرة من حكم فرد قد يصيبه الجشع أحيانا .. ولكن هذا لا يبرر لبعض قطاعات الحكومة أن تكون أكثر جشعا من تاجر أو مضارب أو شركة خاصة .
ومن هنا فإننا نحذر الحكومة ورئيسها إن هناك تصرفات لا مسؤولة تصدر عن جهات لا تمت الى الوطنية بصلة سوف تجتهد في خلخلة الثقة بين الحكومة وبين الشعب عن طريق الجور على المواطن ومعيشته ، وندق ناقوس الخطر قبل رفع أسعار الكهرباء ، وإقرار قانون الضريبة الجديد والمجحف .. والعمل بجد الى وقف استيراد السيارات ذات المحركات الكبيرة .. ومعالجة أزمة ارتفاع أسعار الماشية ولحوم الأضاحي التي تؤشر الى منحى خطر بعد ان احتكرت بعض الشركات هذا القطاع ، تصديقا لما حذرنا منه منذ الحكومة الراحلة التي جرحت ولم تداوي .
وبعيدا عن التشبث بالعباءة الرسمية أقول .. إما أن نكون مواطنين حضاريين منتمين ، صادقين في وطنيتنا وانتماءنا ومشاركتنا الجماعية .. وأما ان نعلن انحلال العقد الاجتماعي والدستوري ، وحينها نعود الى بيوت الشعر والطين في القرى والعودة الى زمن الطوابين ووقود الزبل والحطب والاستغناء عن خدمات الراصد المبدع محمد الشاكر والاكتفاء بحواس حميرنا لرصد المنخفضات الجوية والثلوج .. أو نترك الوطن يتحول الى عودة زمن الإقطاع والعبيد والعمل بالسخرة وفتح باب الجريمة المنظمة وزعزعة الاستقرار .
Royal430@hotmail.com