في عمان اسرع ما ينتشر «المقاهي والكافيه شوبات»، شوارع رئيسة تغرق على جانبيها بالمقاهي.
الناس لربما لا يجدون ملاذا في مدينة حزينة تختنق بالازدحام والفوضى المرورية الا بالهروب الى المقاهي . فلمجرد زيارة أي مقهى تكتشف كيف أن احلام الشباب العاطلين عن العمل والمتكدسين تتبخر في نفث دخان انفاس الأرجيلة.
هي اليوميات الحقيقية التي تصنع حياة شباب ينتظرون الفرج . فمن يصدق أن الشباب يجلسون لـ8 ساعات ولربما زمن اطول، يتدارون باللهو بانتظار فرجة رياضية بين اي فريقين رياضيين محليين او اروبيين واحيانا ينتقل فضولهم الرياضي من ثقالة الملل والزهق والقرف والعطل لمتابعة الدوري الافريقي والاسيوي.
قد لا تلمح بوجههم أي امل أو تفاؤل، في بعض المقاهي الزبائن ورواد هم متشابهون، وقد تختلف فقط الاماكن التي يتدوارن في الجلوس عليها داخل فضاء المقهى . يخبرني عامل وافد بمقهى قائلا بانه يحفظ عن ظهر قلب مواعيد دخول وخروج زبائن المقهى، اضافة الى الطلبات ونوعيتها وكميتها. وبمعنى أدق أنه عليم خبير بالساعة البيولوجية لرواد المقهى .
الوضع لا يختلف حاله بين طرفي عمان: الشرقي والغربي . ولربما المتغيير المختلف الوحيد هو سعر الارجليلة والطلبات الاخرى . وليس أكثر من مشترك أن المقاهي تختزن الالام واوجاع شباب عاطلين عن العمل، ولا شيء يقضّ عيشهم وحالهم الا البحث عن فرص عمل دائمة وامنة تؤمن دخلا شهريا كريما.
وكلما اقتربت من الطاولات تستمع الى احاديث مجبولة بالحسرة والقلق والخوف من المستقبل، ولا سيما ممن تخطت اعمارهم سن الثلاثين ومازالوا متوقفين في طوابير البطالة ينتظرون أي فرج يوفر لهم فرصة عمل في الاردن او خارجها . وحتى التفكير بخيار الهجرة الى اوروبا وامريكا فانه مكسي بالغموض والخوف والتردد.
الهجرة أو لنسمها حالة «الهروب الجماعي» كانت لزمن قريب خيارا لأجيال هاربة من اوطانها تبحث عن ملاذات عيش بديلة . ولكن اليوم اكثر ما يواجهه الباحثون عن الهجرة بارقامهم المرتفعة وطوابيرهم المستطيلة أمام السفارات الاجنبية قوانيين مضادة للهجرة تزيد من فجوة العزل بين شمال وجنوب الكرة الارضية.
حديث المقاهي فارق ومدهش وصادم، وأكثر ما قد ترصده في فضاء ملاذات شعبية ترفيهية أنها تختصر بإطناب ازمة مجتمع وجيل شباب خائف ومصدوم ومرعوب وعاجز وعاطل، وهي حقيقة إنْ لم يعترف بادراكها الاطراف الفاعلة والمؤثرة في صناعة القرار فإن «الطامة القادمة» ستكون كارثية إن ترك المجال العام يغرق بهذه التشوهات الاجتماعية والاقتصادية والعقد الجماعية.
فأي حديث يتسع ادراكه عن بناء الدولة. والشباب هم المختفي الاول من عملية البناء، بل أنهم مصابون بالاحباط وأمراض الاكتئاب الجماعي والبلادة. وكل المسارات العامة تطاردهم لتفرض عليهم اسياجا واسوارا وانتهاكات يومية سافرة بحقهم في العمل والعيش الكريم وتركهم مكدسين محاصرين داخل المقاهي.
(الدستور)