يسعى الأردن من خلال عقد القمة العربية إلى تحقيق هدفين متلازمين هما :
أولاً : نجاح إنعقاد القمة ، كضرورة لوضع القضايا الحيوية التي تشغل بال العرب وتستنزف مواردهم وجهدهم ، ومعالجتها ، وأبرزها على المشهد السياسي كما هو مطلوب .
وثانياً : تمرير فلسفة التسويات السياسية بديلاً للحروب البينية التي لم تحقق مرادها ، وإرساء قيم التعايش بديلاً عن الصراعات الدموية في ظل الخلافات والتباينات وتضارب المصالح حيناً ، والعمل على إيجاد القواسم المشتركة بين المكونات العربية دائماً ، فالحروب البينية لا أسقطت أنظمة ، ولا هي إنتصرت لصالح معارضة أكثر إقتراباً من الديمقراطية ، وحقوق الإنسان ، وقيم تداول السلطة ، والإحتكام إلى صنايدق الإقتراع .
لقد بدا واضحاً من سلسلة الإجتماعات التي توالت لممثلي البلدان العربية في إطار الجامعة العربية بدءاً من إجتماعات الخبراء وواضعي جدول الأعمال ، ومروراً بالمندوبين الدائمين ، سفراء البلدان العربية ، وإنتهاء بإجتماع وزراء الخارجية يوم 7/3/2017 ، في مقر الجامعة في القاهرة ، باتت القضية الفلسطينية مستقرة في أن تكون لها الأولوية على جدول الأعمال نظراً لوجود عدة أطراف عربية لها إهتمامات بالموضوع الفلسطيني يفوق مالها من قضايا أخرى ، وإنعكاس الموضوع الفلسطيني وتداعياته على أمنها الداخلي في لبنان وسوريا والأردن ومصر إضافة إلى صاحب القضية نفسها وممثلها والمعبر عن قضيتها وإهتماماتها منظمة التحرير .
كما تقع ظروف سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال الداخلية في صلب إهتمامات الأطراف المختلفة بشكل أو بأخر ، وبتأثير متفاوت على هذا البلد أو ذاك ، ولكن إستمرارية أزماتها وسخونة حروبها ، أدى إلى نتائج تدميرية مباشرة التي يجري الصراع على أرضها وبين مسامات شعوبها ، كما أدى إلى إستنزاف موارد بلدان الخليج العربي المالية نظراً لإسهاماتها المباشرة وغير المباشرة في تلك الحروب البينية ، وخلاصتها ضعف الدور العربي وغياب وزنه وتأثيره الأقليمي والدولي ، دفع الأطراف الأقليمية الأربعة : 1- المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، 2- إيران ، 3- تركيا ، 4- أثيوبيا ، للتدخل كلاً من طرفه لتعزيز مصالحه التوسعية على حساب العرب وقضاياهم ومصالحهم ، في أرض العرب وفي أحضانهم وأحزابهم ومياههم وثنايا دواخلهم .
لقد سعى الأردن للنأي بنفسه عن التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للبلدان العربية ما أمكن ذلك ، فحافظ على توازن مواقفه بين النظام السوري والمعارضة وأبقى قنواته مفتوحة مع الطرفين ، بما يحفظ أمنه أولاً وبما لا يدعو مجالاً للشك في منع أن تكون أراضيه قاعدة لأي عمل مناؤي لأحدهما ضد الأخر ، كما حافظ الأردن على علاقات متوازنة مع مكونات الشعب العراقي الثلاثة : السنة والشيعة والأكراد ، ومع أحزابهم ، وعمل على فك القطيعة الأميركية عن نظام الرئيس السيسي وفي عدم التردد على دعمه في مواجهة التطرف والأرهاب وتقويض دور مصر ومكانتها ، كما لم يتردد في توفير فرص التدريب والتمكين لنظامي الشرعية في ليبيا واليمن وتأهيل الكوادر الأمنية والأدارية تعويضاً لحالات الأنفلات ، كما صمد الأردن في وجه الضغوط الأقليمية لإخراج حركة الإخوان المسلمين عن الشرعية وإعتبارها حركة غير قانونية ووصمها بالإرهاب ، فالإخوان المسلمين حركة سياسية أردنية لها باع طويل في الحضور الأردني ولها إسهاماتها في الأمن الوطني ، وواحدة من كبريات الطيف السياسي الأردني والتعددية السياسية ، ولذلك تعاملت الدولة مع الإخوان المسلمين بروح من المسؤولية الأمنية والسياسية الواسعة الأفق رغم محاولات أكثر من بلد عربي للضغط على الدولة لإخراجها من المظلة القانونية .
عقلية التسوية والتوازن والعمل المشترك على المستوى القومي ونجاح ذلك ، وإنعكاساته على مجموع البلدان العربية مصلحة ورؤية أردنية ، ورغبة شديدة ، وتطلع جاد ، لأنه جزء من فلسفة الدولة الأردنية وأمنها وإمتداد لماضيها في التشكل والولادة .
نجاح القمة في عمان ، ليس نجاحاً عادياً تقليدياً يجب أن يتم وحسب ، بل نتطلع له بإعتباره مدماكاً لما هو قادم من أجل وضع خطوات عملية ملموسة لإنهاء الحروب البينية العربية ، والتوصل إلى تسويات واقعية تصنع الشراكة والمصالحة وتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم لدى أطراف النظام العربي برمته ، بعد فشل كافة هذه الحروب التي لم تقدم سوى الدمار والخراب ، وجميع أطرافها والمشاركين بها وفيها هم من المهزومين ، بلا إنتصار لطرف سوى للقوى المعادية وفي طليعتها المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية في جنوب لبنان والجولان السوري وكل الأرض الفلسطينية وإعتداءاته شملت شرق وغرب العالم العربي من الإمارات شرقاً إلى الجزائر غرباً والسودان جنوباً ، إضافة إلى تدخلات إيرانية وتركية وأثيوبية لحساب مصالحها وعلى حساب العرب وأمنهم وإقتصادهم وإستقرارهم .
القمة ستنجح وهذا ما نتمناه وهو ما سيتحقق لأن الأرادة ونتائج الهزيمة والدمار الماثلة على مجمل المشهد السياسي العربي ستشكل حافزاً للأطراف كي يدركوا أهمية ما يتمناه الأردنيون وعملوا ويعملوا من أجله ، فلدينا رغبة جامحة لتحقيق هدفي الأردن لنجاح القمة ، وثمة تجاوب عربي ملموس لأن لا بديل أمامهم سوى إستمرارية الخراب والدمار وخسارة الجميع بلا إستثناء .
h.faraneh@yahoo.com