فيما يسمع المواطن, سمعت أن القضاء في المملكة, قد استجاب لطلب أصحاب شكاية قذف, من نوع المتظلم من اتهامية باطلة قد نالتهم, من أحد نواب في مجلسنا الأردني الموقر, فرفع عن القاذف حصانته البرلمانية, تمهيدا لأن يأخذ القضاء, الذي لا نشك في مصداقيته ونزاهته, مجراه. وفيما يقرأ المواطن, قرأت أن مشروعا لنزع الحصانة عن أحد النواب أيضا في ذات المجلس, في طريقه إلى الإعلان, بعد أن تجرأت النائب, فأتت بما لا ينبغي قوله. وفي الفرق بين ما ينبغي قوله وما لا ينبغي قوله, أن يكون المجلس ممثلا بنوابه, عنوانا للصدق والشفافية والحيادية في تقييم وقياس أمور الدولة, دون أن يأخذ أحدهم ردة فعل من إحدى الشخصيات أو المؤسسات العامة, برسم التحامل الشخصي, أو الجري وراء أوهام من نوع الأدلة المنقوصة, فلا يقع المحظور, كما هو الحاصل حاليا !
في كل بلاد الله, التي استعملت الديمقراطية في حكمها, يكون البرلمان جدارا فيها لا يمكن لأحد اختراقه دون مبرر أخلاقي أو قانوني, كونه العنوان الأمثل والأعلى لمشاركة الشعب في نمطي الحكم والسياسة. وكون البرلمان أيضا بممثليه ينأى بنفسه عن السفاسف التي فيها ندية شخصية, أو اندفاع إلى تبني موقف ما, على جهل, أو على نميمة جانبية, وذلك حتى يكون ذاك البرلمان قادرا على القيام بمهامه كاملة دون انتقاص, والتي تأتي في مقدمتها, مراقبة الحكومة ومحاسبتها, واستقدام أي وزير على منصة الاستجواب, إذا ما أخل في عمله, بما لا تقتضيه المسؤولية. ولكن هذا يكون رهن استقامة المجلس نفسه, الذي يجب أن يتحلى بأعلى قيم المسؤولية, والحفاظ على الذوات الشخصية فيه ـ ونقصد النواب ـ من كل ما شأنه أن يكون معيبا أو نقطة ضعف, تؤخذ على أحدهم, فتؤخذ على المجلس فيما بعد.
لا يمكن القول مثلا, أن نائبا قد خضع اليوم لمحاسبة القضاء, على هيئة متهم بسوء التصرف في أحسن أحوال استخدام الاصطلاح لطافة, قد يكون قادرا على تقديم طلب استجواب للحكومة أو وزير ما أو هيئة ما, بعد غد, إنها مسألة كما كل شيء تقتضي حكماء, وإلا فنحن في زمن المتناقضات !
لا ينكر عاقل, دور أي برلمان في جهات الدنيا الأربع, ما دامت الدولة تحترم نفسها ومواطنيها كالأردن, ليضطلع البرلمان بدور أكبر في التشريع والرقابة والمسائلة, وهو دور ذو همة ومهم, سيكون أقوى إن بدا النواب على قدر المسؤولية المناطة بهم. أما أن يكون المجلس منوعا بأصحاب مواويل خاصة, وردات فعل شخصية, فإن ذلك يعني فيما يعنيه, أن هيبة المجلس أمام الحكومة بوزرائها, لن تكون في شكلها المطلوب, على قاعدة "انظر لنفسك قبل أن تنظر إلي".
ما نتطلع إليه, رفعة بالوطن وحملا لأمانة المواطن, قبل محاسبة ومعاتبة الوزراء, أن يكون نوابنا جديرين بالمسؤولية ومهامها الموكلة إليهم, وأن يكونوا حريصين على صورتهم, التي يجب ألا يخدشها خادش, والخدش في الواقعة التي نحن بصددها داخلي بامتياز, لم تحضر فيه أي من نظريات المؤامرة, إذا ما ادعى أحدهم مظلومية لا أساس لها. إنها إساءات لا نحب أن نراها في برلماننا لأننا لا نقبلها على ديمقراطية أردنية, صار مدعاة اعتزاز وطني, ومبعث افتخار أمام دول, تنفتح على مسؤولياتها, بحرص وشمولية وذهنية متفتحة, تضع المواطن والوطن في قلب الاهتمام, وفي ذات الوقت, تنحي كل المواويل الشخصية جانبا, وهذا هو بيت القصيد, كي تستقيم الأمور.