بسبب الوضع الاقتصادي المتردّي ، حاول أبو يحيى التملّص من طلبات الأولاد اللحوحة المتكررة نهاية كل أسبوع فالتورط بمشروع الهشّ والنشّ..يعني «هش نصف التقاعد ونش بندورة تسطيح طوال العشر الأواخر من الراتب «.. إلا أنّهم أصروا أن يأخذهم برحلة عائلية إلى أي مكان يختاره هو ، وبأية ميزانية يقدرها هو أيضا..ولم تعد تجدي الدفاعات الأرضية مثل: «بيقولوا منخفض الجمعة» ، «شكلها شرقية ولكو يابا»،»في جماعة ودّولنا كرت عرس عيب ما نروح»..وبقوا مصرّين على آرائهم حتى لو كانت الرحلة خلف «سنسلة الدار»..
بعيد صلاة الجمعة أصدر أوامره بشكل مفاجئ بتحميل فرشتين والحصيرة الصفراء و3 مخدات وترمس ماء وسخانة شاي وقهوة..وقام هو بتفقد ماء الروديتر و المساحات..أم يحيى والأولاد كانوا يحمّلون الأغراض بسرعة فائقة بنشوة الفرح وكانت السيدة الأولى تجتهد حسب خبرتها الطويلة بأدب الرحلات فتحضّر سكاكين فواكه ، وملح وفلفل وغاز «سفري» صغير..وعبوة قهوة وبردقان.. «باكيت محارم معطرة»وغيرها...قفز شلاش وعايش الى الصندوق ، بينما يحيى على يمين الشباك الخلفي وشايش على اليسار في حماية للأختين القابعتين في الكرسيين الأوسطين خوفاً من متطفلي الإشارات الضوئية وتنكات المي المرتفعة الناظرين إلى المحارم بغير هوادة..بينما حرصت أم يحيى أن تضع سخّانتي الشاي والقهوة و»الكاسات» بين قدميها في الكرسي الأمامي محتضنة ترمس الماء..
أبو يحيى الصامت ،لم يفصح عن نواياه أبدأ..قال شايش موشوشاً أمه: « طبختي ولا أبوي بده يشتري جاهز»..قالت بصوت مسموع: لا والله ما طبخت..حتى تثير انتباه الحجي..قال يحيى: في ملاحم قدّام كثير!...في محاولة لتوريط الأب..لكن القائد لم يتلّفظ بكلمة واحدة..دخلوا منطقة الأحراش ، عيشة باندهاش «هون يابا القعدة بتجنن»..كسر الحجي صمته وقال: لا في قدام مطرح سهل ولايذ..مروا من أجمل المناطق التي لا يمكن للمتنزه أن يتخيلها لكنه لم يعجبه أيا منها..شايش: هون يابا كويس وقريب!..أعطى أبو يحيى غياراً عكسياً للبكم فتصاعد الدخان الأسود وقال: لا في قدّام..مطرح سهل ولايذ...تضاءل الشجر وارف الظل...وبقي على جانب الطريق شجيرات بسيطة..وقلاع كبيرة..في نهاية المطاف اختار لهم مكاناً من أسوأ الأماكن على مستوى العالم...قال مواسياً: نفسه..هون جخّة طلة كويسة هوايات لايقات وسهل ولايذ...بالواقع المكان على ما يبدو أن «صيرة غنم مهجوره» وذلك لأثار الحلال والرائحة النفاذة للزبل الطبيعي..ناهيك على أنها تطل على غرفتين من الزينكو لحارس محطّة التنقية القريبة وأمامهما «كرّ» مفطوم دائم النهيق..أنزل الأولاد الحصيرة والفرشات وكل أدوات الترفيه باستثناء الترفيه نفسه....أغلق أبو يحيى باب البكم وبيده كتاب ملوّن..جلس على الفرشة ونادى العائلة ليلتفّوا حوله ويتفرّجوا معا..فتح على صفحة مرسوم بها منقل وأسياخ: ( هاظ اسمه منقل..هاي اسياخ..وهاظ مشبك جاج..بنشكّ الاسياخ كل فرمتين لحمة حبة بصل مشان الطعمة ، وشوية دهن مشان الطراوة، وهاظ اسمه مشبك الجاج..بنحط الاسياخ والمشبك على المنقل يوم يجمّر الفحم..وبنصير نقلّب فيهن أول بأول ، بس ديروا بالكوا لا يحترقن او ينشفطن من النار على الهدى...شايفين هيك الواحد بيشوي يوم الله بيفتحها عليه..خلينا نشوف كيف تشوي السمك على الفحم...ولا شبعتوا يابا..!! أم يحيى: حرام صار أكل كثير!...نهرها أبو يحيى: خلهم يتفرّجوا هو كل يوم احنا طالعين رحلة..
في هذه الأثناء قدم طفل إلى العائلة المتحلّقة حول درس «الرحلة المصوّرة» في كتاب الصف الرابع...وبيده صحن فحم فارغ..على ما يبدو انه ابن صاحب غرفتي الزينكو حارس محطة التنقية قال يخجل: بسلم عليك أبوي وبقلك بده فحم للأرجيلة اذا مولعين!....نظر إليه أبو يحيى والشمس بعينيه فصرّ الأولى وفتح الثانية وقال: والله يا عمي بعدنا ما وصلناها لفحم الأرجيلة هذيك بصفحة 72!..
الرأي