لم نعد نسمع سيرة باراك أوباما بعد انتهاء مدة ولايته، وأظن أنه إذا ما راجع دائرة الأحوال المدنية لتجديد الهوية، فإنه سيقف على الدور مثل أي مواطن أميركي، وإذا ما راجع دائرة الأراضي لبيع أرض في تكساس ورثها عن والده، فلا أظن أن موظفي دائرة الأراضي سيعيرونه أي اهتمام، وإذا ما ذهب الى المستشفى لأنه يشكو من ترسبات فلا أظن أن موظفة الاستقبال ستحدد له موعدا قريبا للمراجعة، بل الكارثة أن جاك، صاحب محل تصليح البسكليتات، استطاع الحصول على موعد أقرب بكثير من موعد الرئيس السابق.
أوباما اليوم مواطن عادي، لم "يزرع" أحدا من أبنائه أو أنسبائه أو أقربائه في المؤسسات الحكومية الأميركية ليكون سندا وعونا له في المستقبل، لذلك فهو اليوم لا يملك حتى واسطة لترخيص سيارة بحاجة الى كوشوك!
بينما في الأردن، وزير جاء بتعديل حكومي في ثمانينيات القرن الماضي لعدة أشهر، وإلى اليوم، أينما يذهب، يحظى باهتمام، وكلمته مسموعة في مؤسسات الدولة أكثر من رئيس وزراء عامل، فهذا الوزير سابقَ الزمن ولم يترك أحدا من معارفه إلا قام بتعيينه، علما أن إنجاز الوزير الوحيد الذي يسجل له ويذكره التاريخ بكل فخر هو أنه خصص مصعدا لاستعمال الوزير فقط!
أوباما قفز بالاقتصاد وقاد حروبا، ولم يملك الجرأة على تعيين محاسب في دائرة حكومية، بينما في بلادنا، أمسك أحدهم "رسن" الخيل منذ تأسيس الدولة، ومن أمسك الرسن أصبح شيخا معروفا، وأبناؤه أصبحوا أعيانا ووزراء. والى اليوم يتذمرون ويشكون من عدم وجود رئيس وزراء من عائلتهم لأن جدهم هو من أمسك "رسن" الخيل.
وأحدهم أثناء إحدى المعارك كان مسؤولا عن حراسة تموين القوات المقاتلة، وبالخطأ، أثناء الحراسة، انطلقت احدى الرصاصات وأصابت عصفور كناري، والى اليوم ندفع ثمن تلك الطلقة من التعيينات والمكاسب، والعائلة تتذمر وتشكو من استثنائها من تشكيلة مجلس الأعيان، فجدهم هو من شهدت له ساحات الوغى، وقد أصاب الكناري.
وأحدهم، عندما أعلن عن استقلال الدولة ذبح جملا، والى اليوم يريد ثمن الجمل بتعيين ابنه في أحد مناصب الدولة. ويقال إن الجمل كان، بدون الاستقلال، سيموت لأنه يعاني من فشل كلوي!
اللافت أن أبناء الشهداء ومن قدموا أنبل التضحيات للوطن، لم نسمع أنهم عرضوا مقايضة الوطن يوما بمنصب أو منفعة، بينما أصحاب البطولات الوهمية هم من يريدون الوطن لهم لا لغيرهم. قبل عدة أيام استقال وزير الداخلية الفرنسي لأن تحقيقا قضائيا كشف عن توظيف ابنتيه في عمل برلماني بعقد لمدة محددة عندما كان نائبا!
استقال الوزير، ولم تشفع له أجواء الأمن الذي تنعم به فرنسا، ولا مئات العمليات الإرهابية التي تم الكشف عنها قبل وقوعها!
بينما عائلة الوزير في بلدنا، إذا أصبح وزيرا للبيئة تصبح كل العائلة نشطاء في حماية البيئة ويتم تعيينهم، وإذا أصبح وزير ثقافة تصبح كل عائلة الوزير شعراء وكتابا ومفكرين ويتم تعيينهم، وإذا أصبح وزير طاقة تصبح كل عائلة الوزير خبراء غاز ونووي وسولار ويتم تعيينهم.
لماذا هم دول متقدمة؟! فقط لأنه لا توجد عندهم محسوبيات، فمن المستحيل أن يكون عندهم عائلة تشتهر بصناعة البوظا، وبعد تعيين ابنهم وزيرا يصبحون كلهم دبلوماسيين!
اما نحن، فالمأساة كبيرة جدا.. وخليها على الله!
الغد