الموقف المشرّف الذي أخذته الدكتورة ريما خلف في مواجهة الأمين العام للأمم المتحدة يجب أن يكون بداية لحدث هام وليس نهاية له. وبدلاً من ان يتم خنق التقرير موضوع البحث ، الذي يثبت عنصرية إسرائيل وأسلوب حكم الفصل العنصري الذي تطبقه على الفلسطينيين داخل إسرائيل وفي الضفة والقطاع ، فإن ما قامت به ريما خلف أمـّن للتقرير حق الوصول إلى جميع أرجاء العالم ، باعتبار أنه وثيقة تقدم حقائق ثابتة ورأياً يتجاوز سقف الأمم المتحدة في حرية البحث والتعبير ، وبالتالي يجب أن يصدر بجميع لغات الأمم المتحدة الست ، ليصبح أكثر الكتب انتشاراً في عام 2017.
طلب الامين العام للأمم المتحدة من ريما خلف سحب التقرير استجابة لضغط أميركي ملتزم بحماية إسرائيل بالحق والباطل ، لكن الموقف الذي سجلته ريما خلف بصفتها الإنسانية وليس الوطنية فقط ، أعطى هذا التقرير قوة ما كان ليحصل عليها لو ظل مجرد ورقة بحثية تحفظ في ارشيف الأمم المتحدة.
لم يبتكر التقرير وصف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينين بالعنصرية ، أو وصف أسلوب الحكم في إسرائيل بأنه نظام فصل عنصري ، فالقاصي والداني يعرفان أن حقوق اليهود في إسرائيل تختلف عن حقوق الفلسطينيين ، فاليهود يتمتعون بالديمقراطية السياسية التي يراها العالم ، بينما يرضخ الفلسطينيون تحت نير حكام لا يضمرون لهم سوى الكراهية ، مما يريد العالم أن يغمض عينية كي لا يراه.
إسرائيل هي الدولة المحتلة الوحيدة الباقية في عالم اليوم ، واحتلالها للضفة والقطاع لمدة خمسين عاماً هو آخر احتلال بغيض شهده العالم ، وكانت الأمم المتحدة قد قررت بحق أن الصهيونية تعني العنصرية ، ثم عادت عن القرار بعد سنوات تحت الضغط الأميركي ، ولم تقل لنا ماذا تعني الصهيونية إذا لم تكن تعني العنصرية. إصدار القرارت أو سحبها لا يغير الواقع الملموس.
حاول البعض التقليل من أهمية استقالة ريما خلف من حيث ان عقدها كان سينتهي بعد أيام من تاريخ استقالتها ، مع أن هؤلاء عرفوا هذه الحقيقة مما أعلنته ريما خلف نفسها في مؤتمرها الصحفي، ويبقى على المشككين أن يثبتوا أنها ما كانت لتستقيل لو كان عقد عملها يسمح لها بالبقاء على رأس الأسكوا لمدة سنة أو سنتين ، أو أن قبولها لسحب التقرير ما كان يضمن لها منصباً في الأمم المتحدة إلى ما شاء الله.
ما أشغلته ريما في هيئات الأمم المتحدة لم يكن وظيفة بل رسالة ، فقد كانت وراء تقرير حالة الأمة العربية الذي ألقـى حجراً في المياه العربية الراكدة ، ووفر البنية العلوية لربيع عربي حقيقي ، حيث كشف الاستبداد والتخلف. وهذه هي ضربتها الثانية.
نحن فخورون بهذه المرأة الرائعة.
"الرأي"