أُردنياً .. (نعم) لحزب الحكومة .. و(لا) للحزب الحاكم!
شحاده أبو بقر
15-11-2008 06:38 PM
يرفض سياسيون أردنيون كثر مقولة الحزب الحاكم في الأردن، ويعلل بعضهم هذا الرفض بترديد حقيقة أن الملك للجميع، وفي هذا رفض استراتيجي منطقي تجسده الحالة السياسية الأردنية الماثلة، باعتبار اننا نتحدث عن مملكة لها دستورها الجامع والعريق، وعن نظام حكم نيابي ملكي وراثي يحكم بموجب هذا الدستور الذي حدد وبوضوح صلاحيات سائر سلطات الدولة وبصورة لا تسمح بأي تداخل فيما بينها فيما تكرس في المقابل وبمنهجية إيجابية ناجحة، مبدأ التكامل بين تلك السلطات!. قد تبدو الأمور غير واضحة عند أو لدى الكثيرين، وبخاصة عندما يأتي الحديث عن تأسيس أحزاب سياسية أو إجراء أية تعديلات على التشريع الخاص بالأحزاب، حيث يذهب البعض فوراً صوب استخدام مصطلح التداول السلمي للسلطة، وبطريقة تنظيرية يريد من خلالها الظهور بمظهر المثقف سياسياً، دون التوقف عند مضمون هذا المصطلح عندما يتعلق الأمر بالأردن، حيث تتجسد على أرض الواقع خصوصيات لا أحد يسمح بتجاوزها عندما يتوهم البعض أن الأمر غاية في البساطة أو حتى في السذاجة ربما وعلى نحو يشير كما لو كنّا نناقش مستقبل مجلس إدارة شركة مثلاً!، وعليه، فأنا أدرك جيداً أن جميع المحاولات الجارية حالياً لبناء أُطر حزبية كبرى جديدة، تعي هذا الأمر تماماً، وهي تعرف أن عملها السياسي محكوم بسقف دستوري واضح. فالأردن مملكة على رأس هرم السلطة فيها ملك هاشمي، وهو بموجب دستور المملكة صاحب الشأن في اختيار شخص رئيس الوزراء، والموافقة على تشكيلة هيئة الوزارة ابتداءً قبل عرضها للثقة من قبل البرلمان، والملك هو من يصدر الأوامر بإجراء الانتخابات وهو من يدعو البرلمان إلى الاجتماع ويؤجله ويفضه ويحلّ مجلس النواب إلى غير ذلك من الصلاحيات المرموقة التي أناطها الدستور بذات الملك.
وفق هذه المعادلة السياسية الوطنية تشكل المشروع السياسي الأردني منذ قيام الدولة، ولم يكن ذلك عبثاً أبداً، فالمشرّعون النابهون المخلصون الكبار الذين وضعوا دستور الدولة ابتداءً، كانوا غايةً في عمق النظرة وسعة الأفق وبعد النظر، فقرروا أن يكون النص على أن نظام الحكم في الأردن نيابي ملكي وراثي، ونلاحظ هُنا أنهم قدموا النيابة في النص ليكون النظام السياسي نيابياً، بمعنى أن شرط اكتمال حالة الحكم أن يكون البرلمان حاضراً يمنح الثقة للحكومات وينزعها عنها أو عن أي من وزرائها ويقرّ الموازنات التي هي وثائق أو خطط حكم سنوية ويراقب الأداء العام للدولة تحت طائلة القانون، إلى غير ذلك من الصلاحيات التي حددها الدستور، ثم أضافوا كلمة ملكي أي أن شرط اكتمال حالة الحكم كذلك أن يكون ملك على رأس الدولة وهو راع للسلطات ورئيس للسلطة التنفيذية، وشريك أساسي في السلطة التشريعية، فيما تصدر السلطة القضائية أحكامها باسمه!. واقع الأمور أن الأردن عملياً، دولة ذات نظام سياسي متقدم جداً، وعلى نحو لا يتوفر في أكثر الدول تفاخراً بالديمقراطية، فرئيس الولايات المتحدة مثلاً وهي حارسة الديمقراطية على هذا الكوكب، يملك تعطيل القوانين التي يصدرها الكونجرس ويحول دون تفعيلها، بينما لا يملك ملك المملكة الأردنية الهاشمية هذا الحق، إذ لا بد من التصديق على القوانين الآتية من البرلمان وإلاّ اعتبرت سارية المفعول بعد مرور ستة شهور حتى دون تصديق وفقاً لما نص عليه الدستور!.
وواقع الأمور كذلك أن رفعة الفكر السياسي العربي الأردني الهاشمي، أوجدت معادلة سياسية متقدمة جداً، مضمونها أن الملك هو المراقب الأعلى لأداء الدولة، لأن معادلة الحزب الحاكم المعمول بها في معظم الغرب مثلاً ووفق أنظمة خاصة بكل دولة، لا تعني العدالة أبداً عندما يقرر نصف مجتمع زائد واحد شكل الحكم الذي يريد دون أن يراقبه أحد، مقابل إقصاء نصف ذلك المجتمع ناقص واحد بحسب المنهج الديمقراطي الذي تتساوى فيه أصوات الجميع عند صناديق الاقتراع حيث للعاقل وللسفيه وللعالم وللجاهل ذات قوة الصوت، وبصورة قد تبدو الديمقراطية معها في فهم البعض أسوأ أنواع القمع والتسلط والاستبداد والإقصاء، من هنا يأتي الدور الرئيس للملك وفق الدستور الأردني، باعتباره راعياً للسلطات وقائداً للوطن له أن يقيل الحكومة ويكلف غيرها إذا ما حادت عن الدرب القويم وله أن يكفل مصالح الأقليّة أو ما يسمى بالمعارضة في ظل سطوة الأغلبية التي تطبق برنامجها وحدها في الحكم مستبعدة سائر البرامج الأخرى، باعتبار أن صناديق الاقتراع قد منحتها هذا الحق الذي يمكن أن يناقش بحسب وجهات نظر عديدة لجهة ما إذا كان حقاً حقيقياً أم لا، أو لجهة ما إذا كان حقاً لنصف الشعب زائد واحد مقابل اغفال حق للنصف الآخر من هذا الشعب، وهذا هو الظلم بعينه، أم أن الأمر غير ذلك!!.
ختاماً، في الأردن لا وجود لمقولة الحزب الحاكم ولن يكون، وإنما هناك حزب للحكومة لو جاز التعبير، وهو حزب يجوز أن يطالب بتشكيل الحكومة أو بأغلبية مقاعدها إذا ما فاز بأغلبية مقاعد البرلمان، وبأن يطبق برنامجه المعلن شرط موافقة الملك الضامن الحقيقي لمصالح وحقوق جميع الشعب لا فئة دون أخرى.