ريما صديقة عمر. عرفتها منذ أن تزاملنا في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم كموظفين في وزارة التخطيط في الثمانينيات، ووزيرين في حكومة السيد عبد الكريم الكباريتي. ونشأت بيننا صداقة وثيقة حتى يومنا هذا. وقد تدرجت في المناصب حتى كانت أول امرأة في العالم العربي تتبوأ منصب نائب رئيس الوزراء، وقد وصلت لكل ذلك عن طريق كفاءتها العالية وتفانيها في العمل ونزاهتها التي لا تشوبها شائبة وفكرها الثاقب ونظرتها الاستراتيجية للأمور. وفوق هذا وذاك، ما كان يميز ريما دائما هو نقاؤها وصلابة تمسكها بمبادئها وجرأتها الدائمة في قول كلمة الحق.
ولكن الكثيرين من المسؤولين في الأردن لم يستسيغوا هذه الصفات، وأخذوا عليها نشاطها المعارض للحكومة يوم كانت طالبة في الجامعة، ومنهم من كان معارضا للدولة بأسرها في صغره، فعابوا عليها ما سمحوه لأنفسهم. ربما أخذ البعض هذا الموقف لأنها امرأة في مجتمع يريد أن يكون الرجال فقط في الصفوف الأمامية، وربما لم يتحمل البعض شخصيتها القوية ومقاربتها المنهجية للتحديات وجرأتها في اتخاذ القرار ودفاعها عن مبادئها بكل شجاعة.
لم يشفع لريما أن والدها كان وزيرا في حكومة وصفي التل، أو قربها من الملك الراحل الحسين، أو خدمتها بكفاءة عالية مع أربعة رؤساء وزارات هم الدكتور عبد السلام المجالي والأمير الراحل زيد بن شاكر وعبدالكريم الكباريتي وعبد الرؤوف الروابدة. ولما استقالت بهدوء من الحكومة بسبب موقف مبدئي، تجاهلها الأردن الرسمي بشكل كبير، وتناسى كل ما قدمته لوطنها بتفانٍ وأخلاص، ففي الثقافة السياسية الأردنية، الدولة وحدها من تعين وتقيل.
انتقلت ريما من الفضاء الأردني إلى الفضاء العالمي، وسجلت لنفسها أنها رائدة سلسلة تقارير الأمم المتحدة الإنمائية حول حالة العالم العربي التي أطلقت العام 2002، والتي كانت لتجنبنا الثورات العربية في العام 2011 لو أن الحكومات العربية استوعبت الدرس الأساس من هذه التقارير التي أشارت إلى فجوات الحرية والتعليم ومكانة المرأة في المنطقة. لم تكرمها حكومات المنطقة، فكان أن اختارتها الفايننشال تايمز كواحدة من أهم خمسين شخصية عالمية.
ريما تقف اليوم منسجمة مع نفسها ومبادئها، كما فعلت دائما. فهي لم تخطئ حين وصفت النظام الإسرائيلي بالعنصري، وقد وثق التقرير هذه الخلاصة بالبراهين والأدلة العلمية، وكان خطاب استقالتها للأمين العام للأمم المتحدة أنموذجا لما يجب أن تتحلى به الشخصية العامة من وضوح في الرؤية وانسجام مع المبادئ وجرأة في قول كلمة الحق في عالم يتزايد فيه تجاهل حقوق الإنسان الفلسطيني.
تعود اليوم ريما إلى بلدها الاْردن مرفوعة الرأس، بل وقد رفعت رأس كل أردني وكل عربي بموقفها هذا، ليس لاستقالتها، ولكن لمحتوى التقرير الذي أصدرته، والذي قد يشكل سابقة دولية مهمة في وصف الاحتلال الإسرائيلي بالعنصرية. هذا بيت القصيد الذي تغافل البعض عنه. ولا أعلم إن كان الأردن الرسمي سيواصل تجاهله لريما خلف، ولكن الأردن الشعبي سيحتضنها، لأنها قريبة من مشاعر الناس، وهمومهم، ولأنها خادم حقيقي للأردن، دون تزلف، سلاحها علمها وكفاءتها ومبادئها التي أوصلتها لكل الرتب العالية التي حصلت عليها؛ أردنيا وعربيا وعالميا.
ما نزال ننبذ الناجح، خصوصا إن تفوق في الخارج، ولم نتعلم كيف نوظف هذا النجاح لرفعة الأردن وعزته. نحن بحاجة لخبرة الدكتورة ريما خلف، ونخطئ إن تمادى بَعضنا في سياسة اغتيال الشخصيات الناجحة والنظيفة. وفي كل الأحوال، فإن ذلك لن ينتقص من مكانتها. عودتها إلى الأردن مكسب لنا جميعا.
مرحبا بك ريما بين أهلك وربعك.
الغد