لم يعتد الأردنيون على صدق الحكومات الأردنية ومطابقة أفعالها لأقوالها، فقد كانت الكثير من الحكومات المتعاقبة تطلق تصريحات ووعوداً ولا تنفذها، وإن نفّذت فلا تنفّذ سوى النزر اليسير مما وعدت والتزمت به ما رسّخ في نفوس المواطنين انطباعاً بأن الحكومات تفعل في كثير من الأحيان عكس ما تقول تماماً، وخصوصاً في وعود عدم رفع الأسعار..

فما أن يطلق مسؤول كبير وعداً بأن الحكومة لن ترفع أسعار السلعة أو الخدمة الفلانية، حتى يأخذ الناس انطباعاً بأن الحكومة مقبلة على رفع السعر لا محالة..!!
ولكن يبدو أن الرئيس الحالي استطاع أن يقلب هذا الانطباع وينسفه من نفوس العامة، وأن يبرهن أن حكومته ونحن ندرك أن ذلك بمتابعة شخصية وحثيثة منه "وليس بفهلوة بعض وزارئه" ما كانت لتتراجع عن وعود قطعتها على نفسها، وخصوصاً في القرار الأخطر في تاريخ الحكومات الأردنية الذي كاد يزعزع استقرار الأردنيين وجعل الناس يعيشون في حالة قلق شديد وهو قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي أُديْن بشدة على كافة المستويات وكنت أحد الذين هاجموا حكومة الذهبي عدة مرات على اتخاذه مستهجناً تلك الشجاعة التي حدت بالرئيس إلى اتخاذ قرار على هذه الدرجة من الخطورة وأن يضحي بشعبيته وربما كاد أن يضحي بمنصبه رغم كل المبررات التي تذرعت بها الحكومة في إقدامها على مثل هذه الخطوة..!!

ما يتراءى لنا الآن أن الرئيس محظوظ ويشعر بارتياح كبير نتيجة تراجع أسعار النفط عالمياً، الأمر الذي مكّنه من الوفاء بوعوده في خفض أسعار المحروقات مترافقاً مع التراجع العالمي لأسعار النفط..

هذه المعادلة بدأت تؤتي ثمارها، وبدأ الناس يتفهمون دوافع الرفع والتخفيض وآليّاتهما، وفوق هذا وذاك، وهذا ما تتداوله الكثير من الصالونات الشعبية والنخبوية، بأن شعبية الرئيس الذهبي بدأت ترتفع بشكل تدريجي وسريع، ما يرشح الرجل لاسئناف مسيرته في الحكم التي ناهزت الثلاثة عشر شهراً إلى فترة أطول إما عبر جراحة تعديلية لحكومته تستأصل نصف أعضائها وإما عبر تشكيل جديد كلياً بأعضاء أقدر على حمل المسؤولية يحظون بثقة الشارع ودعمه ..

وما ندعو الرئيس الذهبي إلى فعله هو الاستمرار في التعبير العملي عن نهج المصداقية الذي يُقدّره له الناس عميقاً، وأن تسعى حكومته "بتركيبتها الجديدة المرتقبة" إلى توسيع آفاق الحماية الاجتماعية لأبناء المجتمع جميعاً، وذلك يجب أن يترافق مع إعادة بعث وتجديد لأدوار وزارات خدمية مهمة لتلعب دوراً أكثر حيويةً وتأثيراً وقدرة على تغيير الكثير من المفاهيم والمألوفات بحيث لا تقتصر أدوارها على الرعاية بل تنتقل من مفهوم الرعاية إلى مفهوم الحماية.. وهي مهمة لا يستطيع القيام بها عملياً ونظرياً وزراء غير مؤهلين فكرياً وشعبوياً لذلك..!!

أخيراً اسمحوا لي أن أتساءل وأسأل القراء: هل الرئيس الذهبي محظوظ فعلاً.. فكما يتوقع المراقبون فإن الذهبي مرشّح للاستمرار في الحكم لفترة ربما تكون طويلة نسبياً.. قياساً مع متوسط عمر الحكومات.