هيكل ونحن والإعلام الإصلاحي
بسام بدارين
09-04-2007 03:00 AM
غريب جدا أننا مصرون في مشهدنا الإعلامي على معالجة {المطبات} التي تعترض الأردن عبر الإكتفاء بإستدعاء تلك التراثيات والكلاسيكيات الغريبة التي لا تعني فقط ان إعلامنا لا زال بعيدا جدا عن المفردة {الملكية} لكنها تعني بكل وضوح أننا متخلفون جدا قياسا بالمفردة نفسها . ومع الإحترام الشديد لكل رموز خطابنا الإعلامي بشقيه الرسمي والخاص لا زلنا نراوح نفس الدائرة ونفس المستوى في الأداء ومهتمتنا بعد {اللطم} وتوزيع الإتهامات المعلبة على بعضنا البعض هي حصريا إستحضار تراثيات تطفو على سطح الحدث ولاتناقشه على الإطلاق.
ولايمكن إلا في سياق المشهد نفسه فهم أسرار غياب أو عدم وجود {منطق إعلامي} يحاجج وينجح بالرد والمناورة عندما تتعرض الدولة الأردنية لهجمة هنا او قراءة مغرضة هناك فالنظام المتبع في مثل هذه الحالة هو {الفزعة} وإطلاق الرصاصات الفارغة في كل إتجاه بدون حساب او دقة وعلى قاعدة{عليهم...؟} أو على قاعدة {خسئوا}.
وقد جربنا ذلك عدة مرات في الأعوام الأخيرة الماضية وتحديدا عندما تحرشت بنا فضائية الجزيرة عدة مرات لأسباب معلومة او مخفية فخلال هذه المرات نادرا ما تحدثنا في الوقت الذي ينبغي الصمت فيه والتجاهل وغالبا من صمتنا فيما ينبغي الكلام مما يدلل على ان إعلامنا يتحرك بدون خارطة .
وجربنا الأمر مرتين على الأقل او ثلاث مع محمد حسنين هيكل وحلقاته المثيرة في الجزيرة إياها.. في المرة الأولى تعرض لنا الرجل وتصدى له أحدنا بطريقة لا تستحق أكثر من كلمة {ساذجة وسطحية } عندما إدعى بان هيكل {حبة رمان مستوية} حان قطافها رغم ان الرجل عتيق ومهم عجينا ذلك ام لم يعجب.
وفي الثانية غمز هيكل من قناتنا فناقشه أحد زملاءنا ,وفي الثالثة تحدث هيكل عنا وإنقسمنا في قراءة ما قاله ولم نتفق على انه ينطوي على إساءة لكن حصل ما يحصل بالعادة خرجنا لكي نناقش هيكل عبر لفت نظره لإن الحرب الباردة قد إنتهت فتورطنا مرة أخرى في الرد الطافي على السطح والخالي من العمق, وكأن هيكل ينتظر من أحد ما في الكون ان يبلغه بالخبر السار حول إنهيار الإتحاد السوفياتي.
وفي المرات الثلاث تحدث هيكل فشاهده ستين مليون شخص ثم تحدث بعضنا لبعضنا وفي صحافتنا وبمعدل قراءة لا يزيد عن ستين شخصا نصفهم من العائلة والأصدقاء في كل مرة مما ساهم بإبراز اهم عيوبنا الإعلامية والمهنية والسياسية والمتثمل في أن مملكتنا الجميلة {بلا أصدقاء} حقيقين في الإعلام الخارجي لسبب أو لأخر.
وسجالاتنا كشفت عيبا إضافيا نطرحه عبر السؤال التالي .. في الإعلام الأردني ثمة {كبار} نعرفهم جيدا من الأساتذة الكرام الذي حصلوا على {كل شيء} عبر سنوات . فلماذا لا يتنطح هؤلاء للرد على هيكل ومناقشته؟.. لماذا لا تتحرك أسماءنا الكبيرة او التي نفترض انها كذلك للتعليق والرد والعبور بين أقنية الإعلام الخارجي كما تفعل كل البلدان والحكومات والأنظمة وكما يفعل كل {اللعيبة المحترفين}؟.. أسأل والأجر على ألله..لماذا لا يتصدى لهيكل او لمن في حجمه بعض رجالنا من المميزين والمخضرمين والكبار {إياهم}.. حتى لا يحقق المبتدئين من شبابنا إنجازات معاكسة ضدنا؟.
بصراحة وبعيدا عن دوافع هيكل او الجزيرة ففي بعض المواقع ينبغي ان نرد بالوثيقة والبرهان والمنطق والمهنية بينما ظهرت ردور فعل مشتتة هنا وهناك لاترقى لمستوى الحدث ولا لمستوى القائل ولا لمستوى الكلام ولا لمستوى نزاهة الموقف الأردني التاريخي .. وفي بعض المواقع ينبغي ان يكون لنا {أصدقاء} في الإعلام الخارجي حتى نعفي شبابنا شر القتال وخسارة المعركة دوما.
وحتى لا نكتفي بعرض الإشكال بدون إشعال الشموع لابد من الإعتراف أولا ان إعلامنا الوطني في أزمة سببها الرئيس على الأغلب {تعدد الأبوات} .. وتلك بحد ذاتها مسألة أخرى لكن الأهم ان شخصياتنا الإعلامية لديها خبرات إستثنائية في إختراع الخصومات وفي {التشدق} وفي التمسك بخطاب لا يعترف بالوقائع ولا يبسط الحقائق ولا يتعامل مع بؤر الطهارة الكثيرة في الموقف والخطاب الأردنيين وتحديدا تلك التي يمكن تسويقها وترويجها.
وطريقتنا المعتادة في الرد أحيانا تتسبب بخلق المزيد من الخصوم للفكرة السياسية الأردنية أكثر من كونهاتقدم حجة قابلة للهضم او للصرف عند اي مشاهد او قاريء عربي رغم ان ان عدد {المحظوظين والمحظيين جدا} بإسم الإعلام والصحافة المحلية زاد بشكل جنوني في السنوات الأخيرة ورغم ان بين ظهرانينا فرقة التدخل السريع التي تتحرك في الواقع ببطء شديد وغير مقنع وبدون مهارة او ذكاء.
والواقع يقول بان الأردن لا زال يعاني من غياب اي ذراع إعلامية خارجية ولا يوجد له {أصدقاء} كثيرون في خارطة الإعلاميين العرب وبالتالي الترصد لمواقفه وتشويهها ليس مكلفا من الناحية السياسية او المهنية ومن تصر المؤسسات على {تفوقهم } وتنطحهم للأحداث لا يتمتعون بأي حضور مؤثر في الداخل وكلامهم مسبقا مشكوك به وبالتالي لا مجال للحديث عن تأثير حقيقي للإعلاميين الأردنيين خارج البلاد بعيدا عن النخبة المهنية المميزة التي تدير مؤسسات إعلامية عربية ودولية بارزة بصمت وهدوء وبعقلية الجندي المجهول.
ويقال دائما ان حاجتنا ملحة لذراع إعلامية خارجية تطرح الرؤية الأردنية للأحداث في سوق المزاودات الصحفية لكن احدا لا يتقدم بأي مشروع حقيقي في هذا الإتجاه وبالتالي يبقى التأثير الوحيد للسياسية الأردنية بالخارج محصور بتلك الإنطباعات التي يثيرها جلالة الملك عبدلله الثاني شخصيا عندما يخاطب الإعلام الغربي بإحتراف ومهنية مقنعة وبدون رتوش عاطفية او كلام لم يعد يثير شهية الإستماع .
لكن على الجبهة الحكومية لا يوجد تغيير حقيقي ملموس ولا يمكن رصد نجاحات حقيقية على مستوى بقية المؤسسات فيما لا زالت صحفنا لا تزاحم احدا في العالم العربي ولا زال كبار الكتاب يدافعون بخجل وبالتالي بمسحات إبداعية محدودة عن المواقف الرسمية التي يوجد فيها احيانا ما يباع او يمكن ترويجه.
وبنفس الوقت يؤكد الخبراء بان كتاب التدخل السريع الذين يظهرون فجأة وهم في حالة هجوم شرسة دون حتى تنسيق مع الدولة واحيانا بدون مبرر او وجود قضية وفي إطار المزاودة يتسببون يوميا بإحراج الخطاب الرسمي والحكومي عبر المساس {بشرعيات متكاملة} في الإعلام العربي حصنت نفوذها وحضورها بعيدا عنا.
ومثل هؤلاء يضمون أعضاء جدد لنادي المترصدين بمواقف المملكة وسياساتها وتصريحاتها رغم ان الجو السياسي الأردني معتدل في كل شيء تقريبا ,علما بأن التعرض بالنقد أو بأخبار سلبية لبعض المؤسسات الرسمية {مستحيل} بسبب الإعلان ونفوذه خصوصا وأن إعلانات هذه المؤسسات لا تمنح بأسس وطنية إنما بقياسات الأفراد الذين يقودون المؤسسات ويترأسونها.
والأفراد في إدارات المؤسسات الرسمية لا يفهمون التعاطي الإعلامي والصحفي خارج نطاق إمتداحهم .. ولذلك يغلب الطابع الشخصي والفردي على ولاءاتنا الإعلامية فتشعر الكفاءات بالضيق ويهاجر بعضها فيما تقمع فرص البعض الأخر ونبقى جميعا في نفس المكان حيث يوجد أزمة تحمل العنوان الإعلامي.