حتى اليوم هناك كثير من الناس كلما تصحو من النوم تبدأ بتفسير أحلامها. مثلا إذا شاهدت المرأة في منامها رجلا يلبس دشداشة بيضاء، تقوم مفزوعة وتبدأ بالبكاء. وحين يتم سؤالها عن السبب، تجيب: "الله يستر في حدا راح يموت"، وحين يتم تطمينها أن لا أحد من أقاربها يعاني حتى من الرشح، ترفض تلك التطمينات، وتؤكد لهم أن الدشداشة البيضاء هي علامة للكفن والموت، وتبدأ بإجراء الاتصالات للاطمئنان على صحة أقاربها الكبار في السن.
وحين يستفسر منها البعض عن سر تلهفها بالسؤال عن صحة الجميع، تروي لهم منامها ورؤيتها الدشداشة البيضاء، فيصاب كل من أعمارهم فوق الـ50 من عائلتها بالرعب والخوف، حيث يشعر أنه هو المقصود بذلك، فيبدأ بكتابة وصيته، ومنهم من يسارع الى أجراء فحوصات طبية، ومنهم من يعتكف في الجامع، ومنهم من يؤدي الأمانات إلى أهلها. وفي كل ساعة يعاودون الاتصال بها لسؤالها إن كان صاحب الدشداشة البيضاء يشبه أحدا من العائلة، فتقول لهم: لم أر وجهه، فيتسلل الخوف الى قلوبهم بسبب عدم القدرة على تحديد هوية المتوفى المنتظر، ثم يتم سؤالها مرة أخرى إن كان صاحب الدشداشة نطق بكلمة تشير إلى أنه يحب أحدا من العائلة.
تقول لهم: لم ينطق ولا بكلمة، فتزداد الامور تعقيدا، ويفقد أفراد العائلة شهيتهم في الطعام، ثم يتم سؤالها إن كان صاحب الدشداشة البيضاء طويلا أم قصيرا، فتقول لهم: لا طويل ولا قصير. تبدأ علامات الاكتئاب بالظهور على معظم أفراد العائلة من قلة النوم، فتتصل معها إحدى خالاتها لتسألها إن كانت رؤية الدشداشة البيضاء علامة على أن الذي سيموت ذكر وليس أنثى، فتقول لها: مش شرط. فتغضب خالتها، وتقطع العلاقة معها.
تمضي الأيام والعائلة بانتظار معرفة صاحب الدشداشة البيضاء، ومعظم أفراد العائلة فقدوا أوزانهم من قلة النوم والطعام، ومنهم من حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية، وتصدق بنصف ماله، حتى يأتي يوم وتعود السيدة لتبشرهم أنه بالأمس ظهر لها في الحلم نفس الرجل، وهو يلبس الدشداشة الخضراء، وهذا دليل على أن الفرح سيأتي للعائلة بدل الموت، وأن هناك من سيتزوج ، فتفرح العائلة وتعود لتأكل وتنام كالمعتاد، وتعتذر منها خالتها على ما بدر من أساءة، وتتوقف الصدقات، ويتصل بها أحد أعمامها الذي ماتت زوجته منذ سنوات ويقول لها: صاحب الدشداشة الأخضر لا بشبهني!
هكذا تدير الحكومات بلدنا برؤية الدشداشة البيضاء والخضراء. معروف البخيت رأى الدشداشة الخضراء في منامه، وبشرنا بالهيكلة، وأن العدالة والوفر والخير ستتحقق، وقد لا نلمس نتائج الهيكلة إلا في عهد البخيت الثامن عشر. وجاء عبد الله النسور ورأى الدشداشة البيضاء، وأن الموت قادم إذا لم نرفع الأسعار والضرائب، وأنه حتى النسور الثامن عشر سنستمر على نفس النهج خوفا من سقوط الدينار. وبالأمس، جاء هاني الملقي ليصرح أن من حق الأردنيين أن يحلموا بالصخر الزيتي، وربما شاهد هذه المرة في الحلم صاحب الدشداشة (النيلي)!
في عهد الملقي الثامن عشر سترون أن العالم يضاء بطاقة شمسية، والسيارات تسير ببطارية دون حاجة للبنزين، ونحن وقتها نستخرج الديزل من الصخر الزيتي، لذلك أنا خائف على مستقبل البلد من رؤية صاحب الدشداشة (النيلي)!
الغد