- تعريف المنطق :
جاء في الموسوعة الحرة ويكيبيديا أن المنطق :
"هو العلم الذي يضع القوانين للوصول إلى النتائج."
وقيل إنَّ المنطق عبارة عن:
"الأصوات المقطعة التي يُظهرها اللسان وتعيها الآذان ، قال تعالى : "ما لكم لا تنطقون" ، ولا يكاد يقال إلا للإنسان ، ولا يقال لغيره إلاّ على سبيل التبع، نحو الناطق والصامت فيُراد بالناطق ماله صوت وبالصامت ما ليس له صوت .
وأمّا المنطقيون فيُطلقون كلمة النطق على تلك القوّة التي يكون النطق بها، وهي موجودة في الإنسان خاصة وتسمَّى العقل أو الفكر ومن هنا نشاهد بأنَّهم عَرَّفوا الإنسانَ بأنَّه "حيوانٌ ناطقٌ".
والمقصود بالحيوان، الموجود الحيّ، وبالناطق، العاقل المتفكِّر.
فإذن المقصود من النطق هنا التعقُّل الذي هو من مميَّزات الإنسان. والمنطق هو العلم الذي يرتبط بهذا الأمر.
و قال أرسطو عن المنطق بأنه آلة العلم ، وموضوعه الحقيقي هو العلم نفسه أو صورة العلم .
ويمكن تعريفه اصطلاحا على أنه :
"علم يبحث عن القواعد العامة للتفكير الصحيح"
ويُعرّف العقاد المنطق على أنه علم يجمع الأصول و القواعد التي يُستعان بها على تصحيح النظر و التمييز .
أما ما أُدخل على المنطق و أعتبره الناس خطأ من المنطق – فهو الجدل ، فقد كان لهذه الآفة الأثر الكبير في خراب الأمم و تشتتها و تشرذمها وضياعها ، ولنا في قصص الأمم السابقة الكثير من العبر ،
إن ما يؤسف حقا هو انتشار هذه الآفة بين المسلمين في عصرنا الحالي بشكل كبير ، حيث يُعتبر الجدل من الأمراض الاجتماعية ، فهو ما يلبث أن ينتقل من مجموعة الأفراد ليُصيب المجتمع ككل ، كالوباء الذي ينتشر عن طريق الماء و الهواء بسرعة كبيرة ، لتعمّ عندها العدوى اكبر عدد من الناس .
- الفرق بين المنطق و الجدل :
المنطق يبحث عن الحقيقة من طريق النظر المستقيم و التمييز الصحيح ،
أما الجدل فهو يبحث عن الغلبة والكسب والإلزام بالحجة حتى لو كان موضوع الجدل بعيدا عن الحقيقة ، بل قد يكون موضوع الجدل باطلا أصلا .
أو بمعنى آخر : المنطق بحث عن الحقيقة ، والجدل بحث عن المصلحة المتنازع عليها .
لهذا نجد أن الإسلام نهى عن الجدل والمجادلة وبين لنا أن سبب هلاك بعض الأمم السابقة هو انشغالهم بالجدل وابتعادهم عن العمل .
- سمات الجدل :
قال تعالى في سورة الكهف : { وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) }
للجدل سمات كثيرة وآثار سلبية عظمية نذكر منها :
أولا – الاشتغال بالقشور دون الجوهر والابتعاد عن لباب الأمور .
ثانيا – إثارة البغضاء والشحناء من غير طائل .
ثالثا – إشاعة الخلاف بين الآراء إلى غير نهاية ، فتنقسم عندها الأمة إلى شيع و تنقسم الشيع إلى فرق والفرق إلى شُعب حتى لا تبقى فئة واحدة مجتمعة على رأي واحد وإن قلّت في العدد.
رابعا – ترك العمل والانشغال بسفاسف الأمور .
خامسا – أنه يفتح أبواب الجهل والتعصب والمكابرة ، ويصرف العقل عن الفهم ، ويبلبل العقول ويفسد القلوب .
أما علماء المسلمين فقد ميّزوا بين الأمرين ، فنراهم قد تعاملوا بإيجابية مع المنطق ودعوا إليه لأن الإسلام أساسا يدعو إلى النظر والتمييز والاستقصاء والتفكر ، وينهى عن الجمود وتعطيل العقل ، وفي نفس الوقت حرّموا الجدل وما يُفضي إليه .
و لعل الأبيات التي أوردها العقاد عن مصعب بن عبدالله الزبيري المتوفى في منتصف القرن الثالث تعطي خير مثال على ما ينتج عن الجدل من شرور ومساوئ :
أأقعد بعدما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني
أخاصم كل معترض خصيم و أجعل دينه غرضا لديني
فأترك ما عملت لرأي غيري و ليس الرأي كالعلم اليقين
وما أنا و الخصومة وهي لبس تصرف في الشمال وفي اليمين
وقد سنت لنا سنن قوام يلحن بكل فج أو دجين
وكان الحق ليس به خفاء أغر كغرة الفلق المبين
وما عوض لنا منهاج جهم بمنهاج ابن آمنة الأمين
فأما ماعلمت فقد كفاني وأما ما جهلت فجنبوني
فلست بمكفر أحدا يُصلي ولم أُجرّمكم أن تكفروني
وكنّا أخوة نرمى جميعا فنرمى كل مرتاب ظنين
فأوشك أن يخر عماد بيت وينقطع القرين عن القرين
- رأي الإمام الغزالي في الجدل :
كان الإمام الغزالي يخشى فتنة الجدل على الثراثرة المتحذلقين كما يخشاها على العامة المقلدين ، فهم كالعامة المقلدين أو شر منهم في مصابهم بمضار الجدل وعجزهم عن الاستفادة من خوض مزالقه وغواياته ، فقال في الجزء الأول من كتابه إحياء علوم الدين : [ وأما المبتدع بعد أن تعلّم من الجدل ولو شيئا يسيرا فقلّ ما ينفع معه الكلام وقدر عنده جوابا عنه . فإنك إن أفحمته لم يترك مذهبه وأحال بالقصور على نفسه وقد رأت عند غيره جواب ماهو عاجز عنه ، وإنما أنت ملبس بقوة المجادلة ،
وأما العامي إذا صرف عن الحق بنوع جدل فيمكن أن يرد إليه بمثله قبل أن يشتد التعصب للأهواء ، فإذا اشتد تعصبهم وقع اليأس منهم . ]
و قال أيضا يصف المجادلين :
[ إنك تجدهم أعظم الناس شكا واضطرابا وأضعف الناس علما ويقينا ، وهذا أمر يجدونه في أنفسهم ويشهده الناس منهم ، وشواهد ذلك أعظم من أن تُذكر هنا ، وإنما فضيلة أحدهم باقتداره على الاعتراض و القدح و الجدل ،
ومن المعلوم أن الاعتراض والقدح ليس بعلم ولا فيه منفعة ، وأحسن أحوال صاحبه أن يكون بمنزلة العامي ، و إنما يكون العلم في جواب السؤال ، ولهذا تجد غالب حججهم تتكفأ إذ كل منها يقدح في أدلة الآخر . ]
yousco1@yahoo.com