لا يزال الاردن في خطواته الاولى نحو الديمقراطية. الاحزاب القائمة لا تتمكن من تأكيد حضورها في الحياة السياسية، والمجالس النيابية لم تنجح في بناء كتل نيابية على صورة نماذج يمكن المراكمة عليها لتأسيس احزاب في المدى المنظور.
وكما هو متوقع ظل يتعذر في ضوء ذلك تشكيل حكومات نيابية او حزبية. لكن ما لم يكن متوقعاً ان يستمر تشكيل الحكومات بالكيفية التقليدية التي مضت عليها عقود طويلة بالرغم من زخم التغيرات الكثيرة التي استجدت محلياً على أكثر من صعيد.
من الواضح انه سوف يمضي زمن غير قصير قبل ان يتهيأ الحال لحكومات نيابية او حزبية، وليس ثمة ما يشير في المدى المنظور الى احتمال ارساء تقاليد أكثر موضوعيه لتغيير الأسلوب المتبع في تشكيل الحكومات وتطويره على نحو أفضل. فهل سيبقى تشكيل الحكومات على الحال الذي هو عليه بالرغم من اشارات الاستفهام الكثيرة التي لدى الرأي العام بهذا الشأن ، وبالرغم من تناقض ذلك مع كل ما يتمتع به نظام الحكم في بلدنا من افضليات وميزات نسبيه معززاً بالتفاف كامل الطيف المجتمعي حول التطلعات الإصلاحية لجلالة الملك التي ضمنها بأوراقه النقاشية الاستشرافية .
الحكومة هي صاحبة الولاية العامة المسؤولة عن ادارة شؤون البلد ، وتمثل بهذه الصفة ركناً اساسياً من اركان نظام الحكم وتشكيلها بهذه الصفة مسؤولية تقع في مقدمة المسؤوليات ، ما يملي ان يعكس اسلوب تشكيلها حرصاً يناسب اهميتها الموضوعية والرمزية ، ويلقى الرضى والترحيب من قبل الرأي العام ويبعث لديه الاطمئنان والثقة في قدرتها على ادارة شؤون الدولة وخدمة المجتمع والقيام بواجباتها بكفاءة ونزاهة ، ويعزز في الوقت ذاته قدرة الحكومة على تحسين ادائها الإداري والسياسي والتنموي .
اليوم اكثر من اي وقت مضى بعد طول انتظار وفي ضوء اوراق الملك النقاشية وبعد تجربة طويله غير مناسبه في تشكيل الحكومات وبخاصة في الفترة الأخيرة ينتظر الجميع ببالغ الاهتمام التغيير المطلوب الذي بات ملحاً لتصويب الكيفية التي تتشكل بها حكوماتنا وازالة الاختلالات والتدخلات التي لا تزال تلازمها . الاردنيون في توق لأن يروا خطوات السير بهذا الاتجاه قد بدأت لترسيخ تقاليد للتشكيل الحكومي تستند الى معايير تناسب طموحات القيادة وافضليات نظام الحكم وتطلعات الرأي العام. ولعل ابرز المعايير التي لا خلاف حولها يتمثل في تطوير وتوسيع التمثيل لما هو اوسع من التمثيل المناطقي ، بالإضافة الى استبعاد تأثير العلاقات الشخصية ، والتوريث السياسي ، وترضيات النفوذ السياسي والاقتصادي، مع التأكيد على ضرورة المشاركة المدروسة للقطاع الخاص ، واخيراً اختيار الطاقم الحكومي على اساس النجاح في السيرة العملية ، والنزاهة ، والانخراط في العمل العام ، والخبرة في مجال الاختصاص ، وامتلاك المهارات الإدارية والاتصالية .
على المجتمع المدني المنظم دور هام يؤديه في الدفع باتجاه التغيير المطلوب نرجو ان لا يتخلف عن القيام به لأنه جزء من مسؤوليته الوطنية تجاه الدولة والمجتمع . فهل نرى منه تحركاً مشتركاً سريعاً ومنظماً بهذا الشأن؟ مراكز الدراسات والمنظمات الأهلية ومؤسسات الاعلام صاحبة المبادرة والحضور مطالبة بأن تضع مسألة تصويب اسلوب تشكيل الحكومات في مقدمة اولويات الأجندة الوطنية السياسية. عليها طرح الموضوع للحوار والدراسة والخروج بما يمكن ان يتوافق عليه اهل الخبرة والتجربة من تصورات وطرحها على الرأي العام وجهات صنع القرار لمساعدتها ودفعها للتصويب المطلوب والضغط عليها إذا لزم؟ وحبذا لو بادر مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية في ضوء انطلاقته المتميزة وما يمتلكه من تجربة ومصداقيه ليكون الرائد لهذه المهمة.