الغرب المتحضر والشرق المحتضر
د. ايهاب عمرو
18-03-2017 09:39 AM
قد يعتقد البعض أن عقد مقارنة بين الغرب المتحضر والشرق المحتضر من الأمور التي تثير السخرية والشفقة في آن بسبب وجود بون واسع بين دول الغرب وبين دول الشرق في الوقت الراهن في مختلف المجالات وعلى الأصعدة كافة، حيث إن الغرب وصل إلى أبعد مدى بخصوص الاكتشافات الحديثة والعلوم المعاصرة والتمدين، وهذا أمر يعرفه القاصي والداني في أنحاء المعمورة كافة، في حين أن حال الشرق لا يخفى على أحد من حيث مشاكل التخلف، الفقر، الحروب الأهلية، التنمية الاقتصادية، والمشاكل البيئية.
غير أنه لا بد من الإشارة هنا إلى أن الحياة في الغرب رغم تطورها ورغم التنظيم الجيد لها إلا أنها تغلب عليها الماديات. إضافة إلى أن الشرق، رغم احتضاره، يبقى صاحب تاريخ عريق ومساهمات كبيرة في العلوم والاكتشافات والتي كان لها دور كبير في التطور الذي وصل له الغرب في العصر الحديث، وهذا أمر مسلم به، بل إنه يتم عقد المؤتمرات التي تتناول تأثير الحضارة العربية الإسلامية على العلوم في الغرب. كما أنه يتم تدريس تأثير الحضارة العربية الإسلامية على العلوم في الغرب في بعض الجامعات الغربية. وقد اطلعت أكثر من مرة على موضوعات تلك المؤتمرات، وكذلك على المساقات التي تطرحها بعض تلك الجامعات التي تذكر مساهمات العرب وتأثيرها على العلوم في الغرب.
ولا تزال مساهمة الشرق في تطور العلوم في الغرب حتى وقتنا هذا وإن بشكل غير مباشر، كون أن نسبة لا بأس بها من علماء وأدباء وأطباء وأكاديميين من الشرق يقومون بالعمل في الدول الغربية، كالولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، ويقدمون أقصى ما لديهم من معارف وعلوم وخدمات لمواطني تلك الدول. وتعرف تلك الظاهرة في التقارير الصادرة عن المنظمات الإقليمية والدولية باسم "هجرة الأدمغة".
تأسيساً على ما سبق، فإن الشرق المحتضر مطالب باستنهاض قواه مرة أخرى من أجل المساهمة في التطور الحضاري الإنساني. ويكون ذلك بإصلاح المجتمعات أولاً والاهتمام بها والعناية بأمرها، خصوصاً الأجيال الصاعدة، وتوفير كافة الإمكانيات الكفيلة لقيامها بدورها على الوجه الأكمل سواء كانت مادية أو تقنية، ما يمكن معه إعادة بناء أو استكمال بناء تلك المجتمعات على أسس علمية صحيحة في مختلف المجالات الإدارية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتشريعية، والبيئية، وحتى الرياضية. ويتطلب ذلك أيضاً، من ضمن أمور أخرى، الاهتمام بالتنمية البشرية وبناء القدرات، وكذلك العمل على تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة؛ لما لذلك من تأثير إيجابي على قطاعات المجتمع.
إن ذلك يستدعي أيضاً إعداد البرامج والخطط اللازمة في مختلف الحقول من أجل العمل على إعداد جيل قادر على المساهمة في التطور والتمدين على مستوى العالم بعيداً عن أية منطلقات فكرية ضيقة، كون أن العالم أصبح قرية صغيرة بعد بزوغ ظاهرة العولمة بداية العقد الأخير من القرن الماضي.
كما يستدعي ذلك رعاية المرأة والاهتمام بها من خلال إعداد برامج التمكين الاجتماعي والاقتصادي الخاصة بها وتطبيقها على أرض الواقع، حيث أثبتت التجارب أن نمو وتطور المجتمعات الغربية مرده قيام المرأة بدورها جنباً إلى جنب مع الرجل. مع العلم أن المرأة بعد بزوغ فجر الإسلام الحنيف كانت تعمل في مختلف المجالات كالتجارة والتمريض والقضاء.
ختاماً، ينبغي التأكيد على أن الشرق يتميز بتنوعه الديني حيث يتجلى التعايش الأخوي بين الأخ المسيحي وشقيقه المسلم في أبهى صوره، ما يسمح بتعدد مصادر التميز والإبداع في تلك المجتمعات.