عاش جهاز الدرك فترة التباس في بداية التكوين، سرعان ما تجاوزها بالاستقلالية الكاملة ليصبح حالة متوسطة بين القوات المسلحة وجهاز الامن العام في التركيبة الادارية والتنفيذية، وعاش الجهاز كذلك تحت صورة انطباعية اسهمت حركات سياسية في تكوين هذه الصورة بوصفه جهاز ردع وقمع، قبل ان تستقيم الصورة لصالح هذه القوات التي كرّست صورتها بطاهر دم شهداء الدرك من أسد القلعة الى آخر منتسب لهذا الجهاز الحيوي الذي نجح في منهجة عمله وتطوير ادواته من خلال انحيازه الى الفكر الاستراتيجي في التفاعل والتعامل مع المهمات الموكولة اليه، فثمة تقسيمات تشي بأننا امام حالة منهجية من التعامل مع الواجبات والمهام مقرونة بنوعية التدريب والتأهيل لكل فريق موكل اليه مهمة دون خلط او تشتيت، فالوحدة الموكولة اليها حماية الملاعب تتلقى تدريبا مهنيا لتنفيذ مهمتها بكفاءة واقتدار ولعل اللقاء الذي جمع مدير الدرك اللواء حسين الحواتمة مع روابط مشجعي الفرق الرياضية والادارات النادوية يكشف مدى مهنية هذه القوات ومدى انفتاح ذهنية قيادتها وتفاعلها وتعاملها مع هكذا ملف شائك وحساس وكان مصدر ايذاء لحرمتنا الوطنية وليس فقط لوحدتنا الوطنية.
المفخرة تتجلى اكثر في وحدات مكافحة الارهاب او وحدات العمليات الخاصة التي تتلقى تدريبات احترافية لمهمات واضحة ومتخصصة فكل وحدة من وحدات الدرك تدرك واجباتها وتتلقى تدريبات لهذه الواجبات، مما يعني ان الاحترافية باتت مسلكا ومنهجا في اخر العنقود لاجهزتنا الامنية وقواتنا المسلحة واثبتت المنهجية الجديدة التي يرعاها القائد الاعلى للقوات المسلحة الملك عبد الله الثاني ويقوم بتنفيذها عسكري محترف بوزن الباشا حسين الحواتمة ستسفر عن تكريس لهذه الاحترافية وتطويرها نحو التميز، كما رأينا في خبر الدرك عن حماية أمن القمة العربية ومدى الاحترافية والجاهزية لحماية هكذا حدث دون ضجيج ودون تأثير على سيرورة الحياة اليومية، والاهم ان هذا الجهاز وافراده حصلوا على حقهم من التقدير والاحترام داخل المجتمع الاردني الذي كاد ان ينزلق الى وعي زائف حاولت بعض الحركات الحزبية تكريسه عن هذا الجهاز الحيوي والوطني بحيث يصبح سندا لقواتنا المسلحة وذراعا لحفظ الامن ومكافحة الارهاب.
“ قريد العِش “ وهو الاسم المحبب لآخر الابناء او آخر العنقود، وهو ينطبق على قوات الدرك بوصفها آخر الابناء للاجهزة الامنية والقوات المسلحة، يحتاج الى دعم مالي والى زيادة تعداده، فهو يعمل بطاقة تفوق الاحتمال البشري بحكم قلة اعداد منتسبيه الذين لا يتجاوزون العشرين الفا وهو رقم قليل على مهمات جسيمة وكبيرة في الداخل الوطني ومهمات قومية وانسانية خارج الوطن، ويسير نحو تقسيم العمل والمهمات بطريقة احترافية بشكل يؤسس لحالة امنية راسخة في الاستقرار، فالجهاز الاداري يعرف منذ اللحظة الاولى واجباته ومهماته ومستقبله المهني في الجهاز وكذلك الجهاز القانوني، فلا يوجد في الدرك مطبات هوائية في الانتقال من مهمة الى مهمة، فالعمليات يدخلها الفرد القادر والراغب ويبقى فيها الى نهاية الخدمة وكذلك باقي منتسبي الجهاز يعرفون دورهم ومكانهم وبالتالي تبدأ مرحلة الاعداد والتجهيز وتاليا ترتفع نسبة الابداع والابتكار من خلال الثبات الوظيفي والامان المهني والتدريبي.
في العقل العسكري الاحترافي ثمة جسر واصل بين القوات المسلحة وقوات الامن العام لتحقيق مفهوم الامن الشامل، وهذا الجسر هو قوات الدرك وفلسفة وجودها، وهذا ما يمنح الدرك حضوره الواعي والمحترف ويستوجب الدعم المجتمعي والدعم الحكومي بتوفير كل متطلبات هذا البناء الوطني الاحترافي، فالحكومة يجب ان توفر كل ما يحتاجه الدرك وقواته دون تباطؤ او التماس اعذار بالظرف الاقتصادي، وعلى المجتمع ان يتفهم معنى الدرك وفلسفة حضوره في المشهد الوطني وان يضعه في مكانته القلبية اللازمة والواجبة بعد ان اثبت هذا الجهاز انه حارس البوابة الداخلية وذراع الحماية الوطنية الصلبة التي تحمل مخالب الانقضاض على ضباع الارهاب او محترفي اشعال الحرائق الوطنية.
omarkallab@yahoo.com
الدستور