دخلت سوريا في مسار التدمير الذاتي بعد ست سنوات من الثورة الشعبية ضد النظام، وخلافاً لما كان متوقعا فقد فشلت الثورة في حسم المواجهة وتغيير النظام بالقوة العسكرية، كما أن النظام فشل في إخماد الثورة أو قمعها رغم إستخدامه جميع أنواع الأسلحة، كأسلحة الدمار الشامل والغازات الكيماوية والمحرمة دولياً، بل كاد النظام أن يسقط عدة مرات، لولا الدعم الخارجي وفقاً لتصريحات الروس والإيرانيين.
لكن بعد التوافق الدولي على إجهاض مسار الربيع العربي من خلال الثورات المضادة والانقلاب العسكري والضربات الاستباقية وقطع خيارات الشعوب، دخلت الحالة السورية نفق الصراع الصفري، تمهيدا لبدء مرحلة التقسيم حسب مخططات الدول الكبرى ذات النفوذ، وغنيٌ عن القول إن ما جرى ويجري سيصب في مصلحة «إسرائيل» الساعية لتأكيد تفوقها وإنجاز مشروعها الكبير.
الأردن الذي يستضيف مؤتمر القمة العربية نهاية هذا الشهر، يتبنى موقفاً تتنازعه مجموعة متناقضة من الاعتبارات المحلية والإقليمية والدولية، وهو موقف يراوح بين الموقف الأميركي الراغب بتعليق الحالة السورية وعدم تمكين أي طرف من حسم الصراع ميدانياً وعسكرياً لإضعاف أو تدمير بنية الدولة السورية، ومن جهة أخرى الانسجام مع موقف جامعة الدول العربية التي اعترفت بائتلاف المعارضة بديلاً عن النظام، وبين الاعتبارات المحلية التي راعت تداعيات ذلك الموقف على المستويات المختلفة ومن بينها الموقف الأمني، ووجود التيار القومي واليساري الأردني الذي أيّد النظام السوري، في مقابل موقف التيار الإسلامي الذي أيد المعارضة السورية.
الموقف الرسمي الأردني تأثر بالموقف الخليجي المؤيد لتغيير النظام السوري، لذلك بدا الموقف الأردني متردداً وغير حاسم وربما عن قصد، لأنه كان ومازال يحاول أن يرضي جميع الأطراف الفاعلة بما فيها الطرف الروسي.
جميع الأطراف المتنازعة في سوريا لم ترتقِ إلى درجة المسئولية، وحتى تبرد الرؤوس الحامية وتنضج الذهنية لإدراك ضلال المسار والصدام واللجوء نحو لغة العقل والمصلحة والتنازل المشترك من أجل الوطن الموحد والدولة القوية.
يبدو أن الحالة السورية تسير نحو الهاوية، وتحتضن حربا أهلية ساخنة نيابة عن الآخرين الذين يخوضون حرباً باردة،
فالشعب السوري هو الذي يدفع الثمن قتلاً وتشريداً ودماراً وخراباً، فهل سيدرك الفرقاء بأن الحل التاريخي للمعضلة السورية يصنعة السوريون لا غيرهم؟!، ذلك عبر الحل السياسي الذاتي، عنوانه التنازلات بدلاً من التنازعات؟
المصالحة الداخلية تقتضي جرأة فائقة من النظام والمعارضة بعيداً عن منهج الثأر والانتقام والحل الصفري الذي إن استمر فسيطيح بما تبقى..
أقول قولي هذا وربما لن يعجب كثير من القراء..، ولكنني أقول قناعتي واستغفر الله...