احدى اهم القرائن التي يقاس بها منسوب التوتر في العلاقات الدولية هي الدبلوماسية، رغم انها كالسياسة حرب لكن بأدوات اخرى، وما نسمعه من دول كبرى وصغرى كلما ارتطم الكوز بجرّة يجزم بأن المناخ السياسي في هذا العالم متوتر ومشحون، وآخر مثال ما صدر في كل من انقرة وامستردام من تلاسن تجاوز السياسة الى التاريخ والجغرافيا، وما تردد في العاصمتين خلال ساعات فقط كان يحتاج في زمن آخر الى اسابيع او شهور او اعوام، لكن اوتار هذا الكوكب مشدودة وتوشك على الانقطاع لأن نسمة هواء خفيفة تحركها وليست بحاجة الى عواصف !
والسؤال هو كيف اصبح العالم على هذه الدرجة من التوتر في مجمل مناخاته السياسية والثقافية والاقتصادية رغم الفائض من اطروحات الدعوة الى التعايش والوعد بآفاق انسانية لا تعترف بالحدود !
من السهل التسرع باجابة مؤقتة واعادة اسباب التوتر الى احداث زلزالية ادت الى تدفق عشرات الملايين من اللاجئين، لكن الاجابة الاخرى والادق تتطلب تأملا وايقاعا ابطأ من الايقاعات الفضائية اللاهثة، فلم يحدث من قبل ان اشتبكت الهويات ومنها ما خرج من القمقم بعد قرون وقد مهدت الولايات المتحدة عشية الحرب الباردة لهذا الاشتباك باصدار موسوعات تضم اكثر من مئتي اقلية في العالم، اما اطروحة صراع الحضارات التي توقع صاحبها هانتجنتون تراجع الحوار والتعايش لصالح الاشتباك فقد كان لها صداها ايضا .
وما كان يتردد من قبل عن الدبلوماسية باعتبارها لغة المواربة والمجاملة والاحتراز فقد اصبح من مخلفات التاريخ الكلاسيكي، لأن حرب الكلمات السائدة الان تنذر بمرحلة لا تدعو الى التفاؤل، فالشرارة تولد من احتكاك حجرين فكيف لا تندلع من احتكاك دولتين ؟
الدستور