(أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل)
د .حسن البراري
11-11-2008 03:12 PM
تصريح السيد خالد مشعل أن على الأميركان أن يتحدثوا مع حماس إن أرادوا التعامل مع الشرق الأوسط وفلسطين لأن حماس هي قوة حقيقية على الأرض هوصحيح لأنه لا يمكن للفلسطينيين أن يتوصلوا إلى اي إتفاق حقيقي مع أي طرف دون موافقة حماس. فحماس تملك الفيتو ولا غبار على ذلك إذ شاهدنا، عبر عقد ونيف، كيف عملت الحركة لتقويض أي اتفاقية إن لم تعجبها.
وتأتي دعوة مشعل لقاء باراك أوباما بناء على فهم الأول من أن باراك أوباما كان قد عبر عن استعداده لقاء أعداء الولايات المتحدة دون شروط. طبعا كان تصريح أوباما خلال مناظرة في الانتخابات التمهيدية ولم تكن حماس محور السؤال. ما لا يعرفه السيد مشعل أن تصريح باراك أوباما فسر بأنه تصريح ساذج حتى من قبل نائبه جو بايدن وبالتالي جرى على هذا التصريح الكثير من التعديلات التي تفيد أن أي لقاء مستقبلي سيسبقه تحضيرات مناسبة. لا يمكن للولايات المتحدة التحدث بشكل جدي مع حماس دون استجابة الأخيرة لشروط الرباعية. وقد جربت منظمة التحرير لأكثر من عقد ونصف فتح حوار مع الولايات المتحدة ولم ترض الأخيرة حتى تستجيب المنظمة للشروط الكيسنجرية الثلاثة المعروفة. وبالفعل جرى أول حوار علني في تونس عام 1989 بعد أن أعلن عرفات في مؤتمر الجزائر عن موافقته على الشروط الأميركية.
ونحن مع أن يتحدث باراك أوباما مع حماس لكننا في الوقت ذاته واقعيون ولا نرى إمكانية أن يقبل أوباما بلقاء شخص يتزعم حركة تعتبرها أميركا حركة ارهابية . ولا يمكن أن يقبل لا أوباما ولا غيره في الحديث عن خيار غير خيار حل الدولتين، فهل يقبل السيد مشعل خيار حل الدولتين حتى يطلب لقاء أوباما؟! صحيح أن باراك أوباما يمتلك رؤية استراتيجية واضحة تنبع من احساسه بأهمية حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأن ذلك في مصلحة الولايات المتحدة لكنه في الوقت ذاته يفهم حدود ما يمكن أن يقوم به. فنجاح أي حل في المنطقة يعتمد بشكل أساسي على موقف اللاعبين المحليين أنفسهم أكثر من رغبة الولايات المتحدة. يريد أوباما أن يعيّن مبعوثا خاصا لعملية السلام ويريد أن يبذل جهدا لاقناع الطرفين للتوصل إلى حل لكنه لن يمارس ضغطا على إسرائيل. ويكاد لا يوجد من بين مستشاريه في القضية الفلسطينية بالتحديد من يتحدث عن ممارسة ضغط على إسرائيل لاجبارها على الانسحاب من الضفة والقدس.
كما أنه من المستبعد أن يكون هناك استثمار رئاسي كما حدث في عهد الرئيس كلينتون لأن التركيز سينصب على الخروج من الأزمة الإقتصادية الكبيرة ومعالجة الوضع في أفغانستان ثم العراق. بمعنى آخر، لن يكون هناك متسع من الوقت للرئيس أوباما للقاء خالد مشعل إلا إذا غيّرت حماس من برنامجها وابتعدت عن إيران وساعدت في تأهيل شريك فلسطيني قوي وغير ذلك نكرر نفس الخطأ وهو أننا لا نفهم جيدا كيف تفكر الولايات المتحدة في الإقليم أو أننا لا نستوعب الحراك السياسي الداخلي في واشنطن وكيف يحد من هامش مناورة الرئيس.
قد لا يكون الوضع بهذا السوء، فالتصريحات التي ترد من غزة وعلى لسان اسماعيل هنية تفيد أن الحركة مستعدة لقبول دولة فلسطينية في غزة والضفة والقدس الشرقية. ما لا نعرفه جيدا هو إن كان مثل هذه التصريحات تأتي في إطار التكتيك أم أنها بداية لتغيرات جديّة في موقف حركة حماس من شروط الرباعية والمجتمع الدولي. فقد سمعنا مثل هذه التصريحات من قبل لكنها لم تحدث أي زخم يذكر. والجدير بالذكر ان التطورات الميدانية تدفع الجميع للبحث في خيارات في حال فشل خيار حل الدولتين لكن إن استطاعت حماس قلب الأمور بخلق شريك فلسطيني فإننا نشهد انقلابا سياسيا واستراتيجيا غير مسبوق. وكما يقال أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل .
د. حسن البراري