استحوذت حالات الانتحار التي اقدم عليها عدد قليل جدا من الشباب في الأشهر الماضية وفي عدد من المدن الأردنية الرئيسية،على الاهتمام باحاديث الناس العامة أكثر مما تستحق،حتى اصبح البعض يتخوف من خطر اشتداد موجة الانتحار،وكذلك عبر وسائل الاعلام المختلفة،التي تعددت فيها الندوات والمقابلات التي شارك فيها مختصون واكاديميون وخبراء في النواحي النفسية والتربوية والاجتماعية والقانونية، واعطى بعض الذين تحدثوا عن تلك الحالات الفردية صفة الظاهرة المنتشرة،أي قد اعتبروها واسعة الانتشار ومتكررة الحدوث باستمرار،وبالغ آخرون واعتبروها صيغة للتعبير عن سخط عام أو تبرم شديد من وضع عام يسود البيئة الاجتماعية... مع ان المتحدثين والمعلقين والمحللين يعلمون ان عدد حالات الانتحار لم تزد عن مائة حالة عام 2016 في بلد كالاردن الذي وصل تعداده لعشرة ملايين من المواطنين والمقيمين واللاجئين،تضيق بهم المدن والارياف،وان اعدادها في السنوات السابقة تكاد لا تذكر ولا يعتد بها، ولا تناقش الا من منظورها الانساني البحت،الذي ينطوي على الاشفاق والتحسر.
هذا علاوة على ان حوادث الانتحار لم تصل حدود الظاهرة ولا تعبر الا عن معاناة فردية اختار صاحبها طريقة شوهاء حمقاء، تخالف التعاليم الدينية والمعايير الأخلاقية والنواميس الانسانية، وبصورة مستهجنة ومستنكرة في مجتمعنا الأردني خاصة ومجتمعنا العربي عامة، في حين ان ما يتركه بعض الشباب ممن اقدموا على الانتحار في مجتعاتنا المحلية،من أوراق تتمحور حول الفشل في تحقيق امانيهم الخاصة،كالزواج بمن يحب او زواج الطرف الآخر بغيره،اوعدم الوصول الى طموحات شخصية اختزنها في نفسه، وتتعلق بالوظيفة والمهنة والمكانة الاجتماعية، وهذا مما يتعرض له الكثيرون، ويعالجونه عادة وواجبا بالصبر والارادة والتصميم على اقالة العثرة واستئناف المضي بمسيرة الحياة من جديد.
كما ويتوجه بعض المتحدثين باتجاه آخر في تعليقهم على تلك الحالات،ليضعوا من بين الاسباب المحتملة للاقدام على الانتحار: سعي المنتحر لاثبات ذاته... فأي اثبات للذات هذا بعد الممات وخاصة بهذه الطريقة؟ أما اذا كان من أقدم على الانتحار قد وضع في حسبانه بانه سوف يفشل في محاولته بسبب تدخل الجمهور الذي يراه وهو يقدم على تلك المحاولة،كما كان يتوقع أوينتظر،وان فعلته ستقابل بضجيج اعلامي كبير،ناسيا ان الرأي العام سيقابل هذا الخبر بالاستخفاف والازدراء نحو فاعله، وان القانون ينظر الى الاقدام على فعل الانتحار باعتباره جريمة، يحقق في ملابساتها مع من فشل فيها.
واعود هنا في هذا المقام لأقول ان توجيه الأبناء منذ الصغر على الرغبة والقدرة والاستعداد لان يكافح في الحياة،هو امر واجب وحساس، عندما ينشأون وهم يتحلون بالقيم الأخلاقية السامية والمتمثلة بالاخلاص والأمانة،والوفاء والصدق ونقاء الضمير وعزة النفس واحترام الواجب.وهذا ما يتوقع من كل أسرة ان تبدأ به قبل المدرسة في غرسها في نفوس ابنائها، وذلك بتفهم واع لروح الدين وسماحته وأخلاقياته، وارتباط محكم بقيم المجتمع وثقافته، وقدرة على تطوير هذه القيم وتجديدها باتزان،لكي تتماشى مع روح العصر والتزاماته ومتطلباته.وذلك حتى يحافظ المجتمع على بيئة اجتماعية ايجابية لأبنائه،ومحيط يوازن بين قوة الاعتزاز بالوطن والتمسك بالاخلاق القويمة،وبين القوة المادية المتضمنة للتقدم العلمي والاقتصادي والتقني، كما ان المطمح الذي يسعى المجتمع لتحقيقه، انشاء جيل واع يختار السلوك القويم والاتجاه الايجابي البناء، قادر بصورة فردية وجماعية على وضع الحلول المناسبة لمشاكله وقضاياه الشخصية والأسرية والمجتمعية.وعندها تختفي غرائب التصرفات وانحرافات السلوك كالقتل والانتحار والاغتصاب والاحتيال ومختلف أشكال الاضرار بالمجتمع وأفراده ومؤسساته وتجاوز القوانين والانظمة فيه.
dfaisal77@hotmail.com
الرأي