قصة الشهيد زعيتر والجندي الدقامسة
نضال منصور
12-03-2017 12:22 AM
قبل ثلاثة أيام صادفت الذكرى الثالثة لاغتيال القاضي الأردني رائد زعيتر على أيدي جنود الاحتلال الإسرائيلي، وبعد يوم من المفترض أن يفرج عن الجندي أحمد الدقامسة الذي قضى بالسجن 20 عاماً بعد أن دين بقتل إسرائيليين في الباقورة.
وبين القصتين حكاية ألم وحزن تروى، وتفاصيل كثيرة تستحق أن نتوقف عندها ونتعلم منها، فرغم أن القاضي زعيتر لم يُقتل وهو ينفذ عملية فدائية، بل قتل غيلة وغدراً وبدم بارد لأنه اعترض على التعامل المذل من الجنود الإسرائيليين، فما تزال سلطات الاحتلال تدّعي أنها تحقق في الجريمة البشعة، وعلى الأرجح أن القتلة أحرار طلقاء أفلتوا من العقاب والمحاسبة.
ولا تزال بكل أسى حكوماتنا المتعاقبة تتمتع بالصبر، وضبط النفس ونجهل ماذا فعلت لصون دم القاضي زعيتر وتقديم الحقيقة للأردنيين الذين ينتظرون معاقبة القتلة!
نعم، من حق كل أردني أن يسائل الحكومة عن حقنا المهدور، وعن سكوتنا غير المبرر، وصبرنا على دولة مارقة لا تقيم وزناً للحق والعدالة؟
وبذات الوقت وباتجاه آخر نتذكر ما حدث مع الدقامسة الذي قضى بالسجن كل شبابه، ولا أعلم مشاعره وهو يهم بالخروج من أبواب السجن إلى الحرية بعد عقدين من الزمن تغيّرت وتبدلت فيهما أشياء كثيرة، ما عدا أن هذا الشعب بغالبيته ما يزال وسيبقى ينظر للإسرائيليين بأنهم محتلون ومغتصبون طال الزمن أم قصر؟
يوم حادثة الباقورة كانت حكومة الرئيس الأسبق عبد الكريم الكباريتي، وكانت حدثاً مزلزلاً بعد ما يقارب عامين على اتفاقية السلام، وكان الملك حسين رحمه الله خارج الأردن، والأمير الحسن نائباً للملك، وفي تفاصيل الساعات الأولى للحادثة خلافات كثيرة بين أركان الحكم في الأردن، وأتذكر من بين قصص كثيرة رويت لي من مصادر مطلعة أن الكباريتي كان يدفع باتجاه أن تعلن الحكومة بأن الدقامسة "مريض نفسي" وتخفف عن نفسها الضغط السياسي الخارجي، وفي نفس الوقت لا تقف بمواجهة الشارع الشعبي، ونُقل أن الكباريتي قال "يرتكب الإسرائيليون كل يوم جريمة بحق الفلسطينيين ولا يخجلون من القول بأنه مجنون، فلماذا لا نفعل مثلهم ونغلق القضية؟!"
لم تجرِ الرياح كما أراد الكباريتي وحوكم الدقامسة وقضى أكبر عقوبة ممكنة، والسؤال في ذكرى الاغتيال الثالثة لزعيتر أليست دماء أبنائنا أيضاً غالية علينا لنطالب بالعدالة؟
قصة ما جرى مع الشهيد زعيتر والدقامسة تفتح الشهية لمسلسل جرائم الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل في الأردن وفي العالم العربي ضد من رأت واعتقدت أنهم يهددونها، وهي قائمة تطول، ولا أعتقد أنها سُئلت عنها دولياً أو عوقبت، فكل الملفات تغلق وتطوى دبلوماسياً؟
أقرب الأمثلة لذاكرتنا حين أرسل الموساد قتلتهم لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل ففشلوا، وغضب المرحوم الملك حسين وأصر على محاكمة عملاء الموساد إذا لم ترسل إسرائيل الترياق لمعالجة مشعل من السم الذي حقنوه به، واشترط أيضاً إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من سجنه.
حدث ما أراد الحسين، فنجا مشعل من موت محقق وأصبح الشيخ ياسين حراً، ولكن الحقيقة الأخرى كذلك أن عملاء الموساد عادوا سالمين ولم نلاحقهم لانتهاكهم لسيادتنا؟
من المهم أن نتذكر ذلك ونحن نتابع قضية الشهيد القاضي زعيتر المعلّقة منذ ثلاث سنوات ودون إفصاح وشفافية، ولا أفهم ماذا يفعل سفيرنا في "تل أبيب"، ولا أعرف ما قيمة اتفاقية السلام التي لا تؤمّن لنا حتى تحقيقاً عادلاً في جريمة قتل مواطن أردني؟
لن نتوقف عند هذه الحدود، فمن حقنا أن نسأل عن الأردنيين السجناء في إسرائيل الذين يقدر عددهم بـ 25 أسيراً ما هو مصيرهم، وهناك معلومات صحفية عن 30 مفقوداً أردنياً منذ حرب 1967، هل تتوفر معلومات لدينا عنهم، بعد أن ميط اللثام قبل أيام عن اكتشاف رفات لجندي أردني في القدس؟
إسرائيل لا تعير اهتماماً لقضية اغتيال زعيتر، ولا تهتم بمساءلة جنودها، فأضعف الإيمان أن نخوض حرباً دبلوماسية وسياسية ضدها، ونشجع منظمات حقوقية لملاحقتهم قانونياً في الأردن وفي العالم، ونفتح ملفات الأسرى والمفقودين، ونأمر سفيرنا في إسرائيل أن يشاكس ويتحرك سياسياً لإزعاجهم وفضحهم.
من المخجل وغير المقبول أن نستسلم أمام الغطرسة الإسرائيلية، فلا نرد صفعاتها ونسكت عن جرائمها، فإذا كان الواقع لا يتيح لنا الكثير لمواجهة الاستيطان والقتل الإسرائيلي اليومي للفلسطينيين، فعلى الأقل نعلي صوتنا عندما يتعلق الأمر بحقوق الأردنيين ودمائهم.
3 سنوات مرت على جريمة اغتيال زعيتر، ولن ننسى، وعلى الحكومة أن تثبت لنا أن دم مواطنيها ليس رخيصاً بل غالياً، ويكفي الغصة التي تقهرنا وتوجعنا بمكافأتهم بصفقة الغاز!
الغد