ظننا أنكم .. و بعض الظن إثم
عدنان الروسان
10-03-2017 02:33 AM
ليس تلعثم رئيس الوزراء في تركيا ما أريد التحدث عنه ، فكلنا يمكن أن نتلعثم أحيانا لأسباب مختلفة ، و إن وجدتني كأردني محرجا جدا و أنا أتابع ذلك الموقف عبر شاشات الفضائيات فلم أكن أرغب في رؤية الرئيس يتلعثم في ذلك المكان و مع ذلك الرجل، فالمكان تركيا التي يمكن أن نتعلم منها الكثير ، و الرجل رئيس الوزراء التركي المتحدث الواثق ، ثابت النظرات الذي يستطيع السيطرة على الجماهير و على الصحافيين حينما يتحدث ، تركيا التي كانت بفسادنا أو أكثر ، مثقلة بالديون ، مليئة باللصوص و المتشعبطين ، تركيا التي كان يتمنى فيها المواطن أوقية من البن البرازيلي أو أن يجد عملا يواري سوأته و يشبع جوعه و جوع أولاده ، تركيا التي كان يتوالى على حكمها رؤساء حكومات بهاليل مرتبطون بالغرب مثلنا لا يحركون ساكنا إلا برضا السفير الأمريكي مثلنا ، لا يعبئون بالإهانات التي يتعرض لها المواطنون الأتراك على أبواب السفارات مثلنا ، يتنافسون في فرض الضرائب على الشعب مثلنا.
ليس تلعثم الرئيس في تركيا ما أريد الحديث عنه ، بل سؤال يراودني ، أطرحه على صاحب الولاية في الشأنين الداخلي و الخارجي بنص الدستور ، هل تعلمنا شيئا من زيارتنا لتركيا ، أم أنها مجرد زيارة بروتوكولية ، لا نحتاج إلى مصباح كهربائي يدوي لنرى في الظلام الذي يحيط بنا فقد تعودنا على الظلام في سنوات الحكومات الطويلة التي تعاقبت علينا و التي تدعي أنها ترى كل شيء و أننا لا نرى أي شيء ، لقد وصلنا إلى مرحلة التيه الكبير ، تيه بني إسرائيل كان في صحراء سيناء أما تيهنا فهو في صحراء ذكائنا الذي أهانته الحكومة و الوطن ، فما يزل يعاملوننا كما في الخمسينات ، هم أذكياء و نحن أغبياء ، هم يعلمون و نحن جاهلون ، هم نخبة و نحن جوييم ، هم ظل الله في الأرض و نحن الدهماء التي تغني و تصفق حتى و هي تجوع و تموت و تنتحر و تقفز عن جسر الانتحار العظيم ، لقد كان بعيد النظر عمر المعاني حينما بنى جسر عبدون، فقد كان يعلم بنافذ بصيرته أننا سنحتاجه للانتحار في سنوات التيه العظيم ، تغني و هي تذبح و تغطي دماءها كل معاني الوطن المسكين.
نحن أناس طيبون ، بسطاء ، حراثون أردنيون ، حتى حينما نصبح مثقفين و أغنياء و نقود مرسيدس فنحن نبقى حراثين ، طيبين و نحب الوطن، و لكن لماذا كلما أحببنا الوطن أكثر كلما كرهنا الوطن أكثر، لماذا كلما ازددنا أملا كلما ازددنا خيبات أمل و شقاء ، لماذا نشقى بسوء ظننا بعد أن أعطينا حسن ظننا بعد عقود من الخيبات المتوالية و الرؤساء الأشقياء الذين حينما نقرأ سيرتهم الذاتية نقول " خسا اينيشتاين و اردوغان " و ما أن ننهي الجملة حتى نستشعر بأيديهم تمتد في جيوبنا حتى تكاد تفتش اقفيتنا ونجد أن كل شهاداتهم و دراساتهم و خبراتهم لم تعلمهم إلا سرقة المواطنين الأردنيين البسطاء الطيبين و أن لا إبداع عندهم و لا يعرفون أي طريقة للعمل إلا بالجلوس و البكاء و الحديث عن الأردن الفقير قليل الموارد و عن الدول التي لا ترغب في مساعدتنا بعد اليوم ، زهقوا العالم و هم يدعموننا ، ما خلينا لا اليابان و لا كوريا و لا الخليج و لا أمريكا و لا أوروبا و لا كندا ، كان يجب أن تعلموا أنه سيأتي اليوم الذي يقولون فيه كفى ، تعبنا من تسولكم و من شكواكم و من اعتمادكم الدائم على الآخرين ليعولوكم.
يجب أن نتخلى عن حالة الإنكار تجاه كل شيء و أن نلتقي في مكان واحد لنتحدث و لو مرة واحدة الند للند ، انتم الحكومة و نحن الشعب ، انتم السلطة و نحن السادة المواطنون لا العبيد و لا المكلفون في نظركم بتمويل رحلاتكم و رواتبكم و بيوتكم في الخارج و تتويج أولادكم سفراء و وزراء و حكاما علينا ، لقد حطمتم المجتمع بكل بناه التحتية و الفوقية ، لقد هشمتم العشائر و شيوخها وشختم أنتم من لا يستحقون الشيخة و لا الإمارة في العشائر ، تدخلتم بالأحزاب و دمرتموها عن بكرة أبيها ، تدخلتم باتحادات الطلبة في الجامعات و زورتم نتائج انتخاباتهم ، تدخلتم بالنقابات و دمرتم كطل ما فيها من نضج و وطنية ، ستقولون لا لا لا ليس صحيحا كل هذا هراء و ستشفعون ذلك بابتسامة تصرف لكل رئيس عند توليه المنصب ليستعملها كي يبدو هو العالم الذي لا يشق له غبار و يبدو الناقد غبي لا يحق له الحوار .
نحن طيبون مساكين و الله العظيم و محتارون ماذا نفعل لترضوا عنا و تشعروا معنا كشعب لا كعبيد ، بتنا نظن أننا لو أشعلنا أصابعنا شموعا لكم فلن ترضوا لأنكم النخبة و نحن من لا بواكي لنا و نحن نموت وقوفا كالخيل الأصيلة من الجوع بينما البغال حولكم تموت من التخمة و السرقة و الرشا ، لا يمكن إدارة شؤون البلاد و العباد بالصدفة ، الذي يحكم بالحظ و الصدفة و يوما بيوم يبقى قلقا طوال الوقت و غير قادر على التركيز على حل مشاكل الناس الحقيقية ، ذهن الرئيس و الحكومة مركز على كيفية تطويع مجلس النواب و مجلس النواب يركز على نقطة واحدة كيف يبتز الحكومة ، و لا يبقى هناك وقت للتفكير و التركيز على هموم الناس ومشاكل الوطن و قضايا العجز و المديونية.
كنا نظن أنكم مختلفون عنا ، أكثر ذكاء و أكثر فهما و أكثر إبداعا و أكثر إخلاصا..و لكن بعض الظن إثم .