المتابع لواقع البيئة في الأردن يستمع لخطاب حكومي جميل، لكن لا يرى له سندا على الأرض. فقبل أشهر، رفعت وزارة البيئة شعارات تنادي بالحفاظ على نظافة البيئة، وتدعو إلى حمايتها من الاعتداءات والتدهور. وقد استبشرنا خيرا بالتوجه الجديد الذي ظهر في اللقاءات والمطبوعات والدعايات والمسرحيات التي قام بها بعض الفنانين، واعتقد كثيرون بوجود نية قوية لدى الوزارة للقيام بهذه المهمة.
منذ تلك الحملة الإعلانية وأنا أتابع في محاولة للتعرف على آثارها على الأرض؛ فيما إذا تحسن مستوى نظافة الشوارع وتغير سلوك إلقاء النفايات والأنقاض على مداخل المدن والبلدات، كما توقفت صهاريج للمياه العادمة عن إلقاء حمولتها على جوانب الطرق، وفي ما إذا تم رفع العبوات البلاستيكية والأكياس السوداء والملونة العالقة على كل شجيرة وغصن عند مداخل المدن الرئيسة وفي الغابات وأماكن التنزه التي تكتظ أيام العطل بآلاف العائلات التي تحولّها إلى غابات من الدخان، ثم تتركها في أوضاع لا تسر.
التعدي على الأشجار الحرجية وإضرام النيران من الأغصان سلوك تشاهده في كل المناطق التي يتوافر فيها غطاء حرجي. والأوضاع التي تعاني منها المدن والقرى الأردنية واضحة في البادية التي فقدت العديد من خصائصها النباتية؛ إما نتيجة الحروب المتوالية في المنطقة، أو لغياب حياة الرعي والزراعة التي كانت تجدد دورات الإنبات وتنشر البذور.
مئات السيارات التي يجري تملكها لخدمة القطعان والمواشي تجوب البادية مولدة سحبا من الغبار الذي يطمر الشجيرات ويؤدي إلى دفنها واختناقها. منذ مؤتمر البرازيل الذي عقد في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، حيث تبنى العالم أجندة عالمية لحماية البيئة وتحسين أوضاعها، ونحن نتحدث بين وقت وآخر عن أهمية الوعي البيئي وتبني برامج للنظافة والتنمية ووقف التدهور.
في أعقاب حرب الخليج العام 1991، بحثت الدول المتحالفة مسألة تعويض بلدان الجوار عن الأضرار التي لحقت بها، وأثّرت على البيئة والإنسان. وقد حُدد للأردن نصيب من هذه التعويضات، كان من الممكن أن يوجه لحماية وتطوير وتنمية البيئة والحد من عناصر التلوث والتدهور الناجمة عن الإسراف الإنساني في استخدام الموارد، كما آثار التكنولوجيا والحروب والتغير المناخي على نوعية حياة الإنسان.
مع الزيادة المطردة للسكان بسبب اللجوء والهجرة وإقامة بعض المخيمات فوق أحواض مائية، إضافة إلى التوسع العشوائي والنمو السريع للمدن، وانخفاض معدلات الأمطار، وانحسار المساحات الخضراء، ومحدودية انتشار شبكات الصرف الصحي؛ يعاني الأردن الكثير من الأخطار والتهديدات البيئية التي تؤثر على الصحة ونوعية الحياة.
الأردن؛ الأكثر فقرا بين الدول العربية في المياه، مهدد بنقص أو نفاد الموارد المائية المتاحة، ولا تلوح في الأفق مصادر جاهزة لتعويض النقص الذي قد يصل إلى 400 مليون متر مكعب هذا العام. وظهور بعض الأمراض المرتبطة بقلة استعمال المياه -كمرض اللشمانيا الذي ظهر في بعض القرى الصحراوية، ومرض الجرب الذي انتشر بين طلبة مدارس إحدى بلدات الشمال الأسبوع الماضي- مؤشر على تدهور البيئة المرشحة لمزيد من التدهور.
جداول من المجاري المكشوفة تخترق الأودية في بعض البلدات الأردنية والمخيمات، مشكلة مكاره صحية يصعب أن تخفيها حملة دعائية تستعين بخفة الظل التي يتمتع بها حسن السبايلة ورانية اسماعيل. ولا يمكن للمواطن الأردني أن يلمس أثر البرامج التي تفكر بها وزارة البيئة من دون تحقق نظافة الشوارع والغابات، وتشديد الرقابة على من يلقون الأنقاض على جوانب الطرق وفي الأودية. ومشاركة طلبة المدارس والجامعات في التوعية، وحث المتنزهين على التوقف عن إشعال النيران وترك الفضلات، من الأمور الضرورية.
أتمنى أن ألحظ وجودا لطلبة مدارسنا من قرى جرش وعجلون وبيرين والعالوك... في أماكن التنزه، ليعملوا على الإرشاد والتوعية، من أجل بناء سلوك حضاري يحترم البيئة ويحافظ عليها.
الغد