تعارضات الشتات الفلسطيني (٣)
حمادة فراعنة
09-03-2017 12:46 PM
لست مغرماً بالنائب محمد دحلان ، فهو يعكف على إظهار نفسه كشخصية قيادية مميزة مترفعة، ولست من أتباعه، فحينما خاطبني أبو مازن أن أكتب ضد الدحلان وقال لي صاحبك أجبته ليس صاحبي بل هو صاحبك أنت ، فقد كنتما حليفين حينما إختلفتما مع أبو عمار ، وأنا عرفاتي الهوية والهوى والسياسة.
لست مغرماً بالدحلان ولا ألتقيه إلا نادراً، ولكن الوقائع فرضت نفسها عليّ ، لأنني لست من الفريق الذي يسعى لشطينته، خاصة وأنه يتمتع بالرزانة السياسية والوطنية، لديه برنامج، ولديه من المؤيدين ما يجعل منه قائداً وطنياً، ورمزاً لتيار تتسع قاعدته ، لتشمل فلسطين وخارجها، من داخل حركة فتح ومن خارج صفوفها، ومن رفاقه وتياره السياسي 15 نائباً أي ثلث نواب حركة فتح لدى المجلس التشريعي ، وما يماثلهم من المجلس الثوري من حزبيي حركة فتح ، وبالتالي فهو ليس ظاهرة صوتية أو إعلامية ، بل ظاهرة حزبية وحركية وفلسطينية، ولذلك ثمة ما يربط بين تحركاته الجماهيرية نحو تنظيم قطاعات ذات الأهتمام المشترك كرجال الأعمال، والطلاب ، والشباب ، والمرأة ، عبر إجتماعات ومؤتمرات تدين بالولاء لحركة فتح ، وبين مؤتمرات تعقدها حركة حماس، هي توازيها نعم وتتضارب معها في نفس الوقت ، فالمؤتمرات التي تدعو لها حركة حماس وتعمل لعقدها تهدف إلى تعزيز نفوذها في مواجهة حركة فتح لإضعافها ، وفي مواجهة منظمة التحرير للنيل منها ، بينما المؤتمرات والإجتماعات التي يدعو لها النائب محمد دحلان فهي تعمل وتلتقي تحت يافطة حركة فتح وترفع شعار وحدتها لا الإنفصال عنها ، وتتوسل إسناد منظمة التحرير وليس تمزيقها.
ومع ذلك ثمة تسويق متعمد يستهدف ربط مؤتمري إسطنبول للمهندسين وللشتات ، مع مؤتمرات عين السخنة الشبابية ، والطلابية ، ولرجال الأعمال ، والنسائية ، وهي ذات طابع مهني ، ولكنها تتوسل تحقيق ثلاثة أهداف سياسية هي :
أولاً : إزالة الشوائب التي لصقت بالعلاقات الوطنية والإنسانية والشعبية والقومية بين الفلسطينيين والمصريين ، وخاصة مع أهالي قطاع غزة ، بعد أن تركت عمليات داعش والقاعدة في سيناء ضد الجيش المصري ، أثرها السيء على قطاعات واسعة من الشعب المصري نظراً لشبهة التواطؤ الإخواني معها ، بما فيها إعلام حركة حماس على قنواتها التلفزيونية ، والتسلل بالإتجاهين عبر الحدود المصرية الفلسطينية عبر الأنفاق ، مما خلق فجوة بين الشعبين ، يعمل النائب محمد دحلان على ردمها وبناء البديل الوطني القومي الأمني المتكافئ بديلاً عنها وعلى أنقاضها ، لأنها ليست فقط لا تخدم الشعبين المصري والفلسطيني ، بل تقدم خدمات مجانية للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي بزيادة خنق الفلسطينيين ، وكذلك للفصائل السياسية المتطرفة ولعملياتها الأرهابية ضد الجيش المصري.
ثانياً : تعزز مؤتمرات النائب محمد دحلان إن جاز التعبير والإختصار ، وتتلهف لرد الإعتبار لحركة فتح وتقوية دورها وحفظ سمعتها تعويضاً عن تقصير مركزية قيادتها عن القيام بواجباتها الحزبية والتنظيمية بعد فشلها خلال عشر سنوات لإستعادة قطاع غزة إلى حضن الشرعية الفلسطينية ، وفي مواجهة مؤتمرات حركة حماس المدعومة إخوانياً وقطرياً وتركياً ، التي تستهدف إضعاف دور ومكانة حركة فتح ، وتقويض مكانة منظمة التحرير ، والمس بشرعية تمثيلها لمكونات شعبها الفلسطيني في كافة أماكن تواجده داخل الوطن وخارجه.
ثالثاً : لا شك أنها تقدم خدمة سياسية ووطنية وتنظيمية للنائب محمد دحلان، بهدف تعزيز دوره ومكانته وسط رفاقه الفتحاويين، ووسط شعبه داخل قطاع غزة.
وعلى هذه الخلفية من المتابعة والتدقيق يُخطئ من لا يُفرق، أو يتعمد الخلط بين مؤتمرات إسطنبول التركية، ومؤتمرات طهران الإيرانية من جهة، ومؤتمرات تيار محمد دحلان في مصر وغير أماكنها من جهة أخرى، أو النظر لها على أنها تستهدف النيل من دور منظمة التحرير وسلطتها الوطنية.
مؤتمرات التيار السياسي الذي يقوده النائب محمد دحلان رافعة تنظيمية وحزبية لحركة فتح لأنه يستظل بإسمها، ويعتبر نفسه عضواً مازال يدين بالولاء لتراثها ومؤسساتها ، وإن كان يعترض علناً على عقد مؤتمرها السابع ويرفض نتائجه، ولكنه لا يعمل على خلق البديل له أو نقيضاً لحركة فتح حيث يؤكد رفض الإنفصال عنها، بل يسعى إلى تعظيم دوره وإنتشاره وتعميق حضوره داخل مسامات حركته، ويتوسل ولادة تيار فتحاوي من داخل مؤسساتها وقواعدها لمناهضة سياسات الرئيس الداخلية في تعامله مع مؤسسات وكوادر حركة فتح من وجهة نظره، ولكنه لم يشكك بشرعية الرئيس الفتحاوية، أو بمكانته الفلسطينية وإن إختلف معه.
ثمة تقاطعات معقدة غير بائنة بدقة ، وخطوطها متداخلة بين النائب محمد دحلان وبين حركة فتح في مواجهة سياسات حماس وإنقلابها وإمتداداتها، مثلما يوجد تفاهمات بينه وبين حركة حماس التي تستهدف فك الحصار عن قطاع غزة، لأن أهلها أهله، ولأن شعبها قاعدته الإنتخابية والحزبية والحركية، وهم الذين أهلوه كي يكون في الموقع القيادي المتقدم فتحاوياً وفلسطينياً، وهذا هو مصدر عدم وضوح الرؤية لدى البعض في نظرتهم لدور محمد دحلان الفاعل، وضيق الأفق والجهالة لدى البعض الأخر، والعمى المتعمد لدى البعض الثالث الذي يقف معادياً لحركة فتح ولتراثها ولمبادراتها الكفاحية التي أعادت للشعب الفلسطيني هويته الوطنية، وساهمت بقوة لجعل منظمة التحرير بهذه المكانة التمثيلية, وأعادت الحضور السياسي للشعب الفلسطيني كعنوان وطني، وحقوق منهوبة يجب إستعادتها، وكقضية عادلة يجب أن تنتصر.