"السلحفاة الحصالة" وأصول البلع
عمر عليمات
08-03-2017 04:05 PM
طلباً للحظ السعيد، ظلت السلحفاة المعروفة في تايلند باسم "الحصالة" تبتلع العملات التي تلقى في بركتها، إلى أن أصبحت حركتها ثقيلة ولم تعد قادرة على السباحة، الأمر الذي أوصلها إلى مبضع الجراح، والخبر السعيد أن الأطباء وجدوا في بطن السلحفاة كافة العملات التي ابتلعتها، ولم تهدر منها قطعة واحدة.
المفيد في الموضوع هو العبرة، وهي أن كثرة البلع تعيق الحركة، وتتطلب إجراءات جذرية لا تنفع معها كثرة المسهلات والملينات، ففي النهاية لا بد من الجراحة، لتنشيط الحركة مرة أخرى وإعادة الأمور إلى طبيعتها، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة استعادة "المبلوع"، فقد يكتشف الجراح أن بطن السلحفاة "أجرب" وقادر على إذابة النحاس والذهب والبوتاس والفوسفات، فتكون الخسارة ثلاثية الأبعاد تبدأ بخسارة العملات وتمر بإضاعة وقت الجراح وتنتهي بالقضاء على آمال أصحاب العملات باستعادتها ولو بعد قرون.
"السلحفاة الحصالة" لم تكن بريئة، بل مفجوعة وتحاول بلع أي شيء يقع في طريقها، إلا أن ما يشفع لها أن ما بلعته لم يذهب هدراً وتمت استعادته في النهاية، أي أنها أسست صندوقاً للأجيال، وكل قطعة بلعتها لشخص ما ستتم إعادة استثمارها لتسفيد منها أجيال المستقبل.
بطن السلحفاة وصل إلى درجة التخمة ولم تعد قادرة على البلع، بعكس بعض السلاحف والطفيليات الأخرى التي لا تعرف الشبع، وتواصل البلع إلى ما لا نهاية، حتى إن شلت حركتها وتوقفت أعضاؤها عن العمل، فالمهم أن تبقى قدرتها على البلع نشطة ومتجددة، وفي حال لم تجد ما تبتلعه فإنها ستبتلع نفسها، لتشعر بأنها ما زالت حية، فالبلع لديها ليس حالة مرضية بل هو إكسير حياتها.
حالة التعجب التي مررت بها وأنا أقرأ عن السلحفاة، قابلها صديقي بحالة من النشوة، باعتبار الموضوع فتح له باب رزق، وفكرة مشروع تجاري ناجح وعليه طلب، حيث قرر السفر إلى تايلاند وافتتاح مدرسة لتدريب سلاحف تايلاند على مفاهيم البلع بلا حدود ومن دون فضائح، ومن غير ما تضطر سلاحفهم للوقوف أمام كاميرات التلفزة العالمية وهم يستخرجون من بطونها كل إلي بلعته منذ دخولها للبرك العامة.
"السلحفاة الحصالة" أعطتنا درساً عملياً في البلع ألا وهو "أبلع على قدر حاجتك، بس لا تبلع إلك ولأولاك وأحفادك، وأحفاد أحفادك"، وبعدين إذا فتحنا بطنك نطلع معيدين ونخسر فوق هيك تكاليف إقامتك بالمستشفى.