تحدي المجتمع والنظام والدولة
د. عاكف الزعبي
08-03-2017 10:50 AM
الاردن وطن عابر للازمات . وضعه الجيوسياسي والتزامه القومي وموارده القليلة نسبياً وحاجته للاندماج في الاقتصاد العالمي، كانت على الدوام مصدر ازمات له . ازمة اثر ازمه لم تنل من الاردن وتركها خلفه واحده تلوى اخرى ليخرج في كل مره اصلب عوداً . القيادة والنظام أديا دورهما باقتدار ، والشعب لم يتخلف عن حماية وحدته الوطنية والالتفاف حول الوطن والقيادة والنتيجة هي ما نراه ، فقد صمدت الدولة الأردنية عندما انهارت غيرها بعد ان خذلتها قياداتها وانظمتها . واصبح الاردن على ما هو عليه من استقرار وحضور اقليمي ودولي وانفتاح على العالم ، وتحول الى ملاذ للأشقاء الذين ضاقت بهم انظمة بلدانهم او دنست اوطانهم قوى الظلام الغاشمة .
الازمه الراهنة تختلف عما سبقها من ازمات . هي الاكبر والاخطر ولا شك ، فهي ترقى الى مستوى التحدي الوطني الشامل بكل ما تعني الكلمة من معنى . تحد متعدد الجوانب ، عميق المضامين ، متسع الابعاد من خلال استهدافه اركان الدولة كافة . انه يسعى لتهديد المجتمع في سلمه الاهلي وسماحة ثقافته واعتدال تقاليده ، كما يسعى لنزع الشرعية عن نظام الحكم بمكونيها شرعية الانجاز وشرعية التمثيل . ويمضي الى ما هو اخطر في استهداف الكيان السياسي للدولة متماهياً مع مصالح اسرائيل ونواياها واهدافها القديمة المبيته .
يواجه الاردن اليوم كغيره من الدول الاسلاميه اصوليتين هما الاخطر والاكثر عنفاً وارهاباً في التاريخ الاسلامي . اصوليه سنيه سلفيه واصوليه شيعيه فارسيه تتموضعان بحالة اصطفافات اقليمية سياسية وطائفية تمثل اصطفافات طائفيه شعوبيه تاريخيه تعود في تاريخها للقرون الثاني والثالث والرابع للهجره . ويواجه في الوقت نفسه تداعيات اقليم يخضع لأعاده تشكيل تحول بفعلها الى ساحة لصراع ارادات رعاة اعادة التشكيل .
وفي ظل غياب وتغييب للحضور القومي العربي ، ومع الاحتراب الدموي الطائفي للإسلام السياسي بين اصوليتيه السنيه والشيعية ، والانهيارات في سوريا والعراق ، واستهداف مصر والسعودية واشغالهما ، تهيأت لاسرائيل ظروف افضل لممارسة سياساتها الكيدية ضد الاردن الذي لا يتوقف عن التذكير بقضية الشعب الفلسطيني وتولي مسؤولياته في الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.
لأسباب ذات صله بالتحديات الخارجية وانعكاساتها الداخلية ، ولأسباب اخرى داخليه تضاعفت التحديات الأمنية ، وتراجع الوضع الاقتصادي بسبب فوضى الاقليم واستقبال الاعداد الكبيرة من اللاجئين وطفى على المشهد الداخلي في بعض الاحيان ارتباك رسمي في ادارة بعض الازمات الداخلية التي اجتمعت معاً في ظرف استثنائي . ما اضاف تحدياً داخلياً ثقيلاً على اكثر من صعيد الى جانب التحديات الخارجية .
تشخيص طبيعة التحدي الذي نواجهه ومستوى ابعاده بدقه ووضوح امر في غاية الأهمية لدوام التذكير به والتأكيد على مدى خطورته فيما يضمره لكيان الدولة ذاته مهيئاً لذلك بالنيل من المجتمع والنظام . فضلاً عن اهميته في المساعدة في تحديد الاستراتيجيات الانسب والافضل لمواجهة هذا التحدي، وبالذات على صعيد الجبهة الداخلية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً لتعزيز الوحدة الوطنية وصد الفكر الاصولي المتطرف ، وادامة الامن والاستقرار ، واسناد النجاحات الوطنية في السياسة الخارجية .
ادارة التحدي الراهن الاصعب في تاريخ الوطن لم تكن داخلياً بمستوى النجاح الذي سجلته على الصعيد الخارجي مما يذكر بالسؤال الدائم عن ادائنا الداخلي الذي يقل بمستواه دائماً عن ادائنا الخارجي ، ويستدعي مزيداً من الاهتمام لرفع مستوى ادائنا على الصعيد الداخلي خصوصاً عندما يتطلب الأمر صموداً وتحملاً شعبياً اقتصادياً واجتماعياً غير مسبوق كما هو عليه الحال الان . والرهان في ذلك يتوقف على السياسات الرسمية الحصيفه القادرة على تشكيل رافعة حقيقيه للصمود والتحمل المطلوبين ، مسنودة بالجهد الرسمي التنفيذي المقنع والحضور الدائم والتواصل مع المواطنين برواية موحدة متماسكه وواضحة . فلطالما شكل شبه الغياب الاعلامي للحكومه اختلالات اتصاليه مع الجمهور ذهبت تتراكم مثل كرة الثلج وبخاصة عندما ترك الوزراء المختصون والمعنيون الاعلام لوزير الدوله الناطق الرسمي باسم الحكومه او لرئيس الوزراء فقط بينما كان الجمهور يتعطش للسماع منهم مباشرة بصفتهم المختصين والمعنيين والمسؤولين مباشرة عن الاجابه على اسئلتهم .