الميثاق الوطني مثال للتوافقية المطلوبة
د. مروان المعشر
08-03-2017 01:22 AM
كتبت الأسبوع الماضي عن الحاجة إلى التوافقية لحل الأزمة الاقتصادية. وأكتب اليوم عن الحاجة الملحة إلى التوافق حول إطار سياسي اقتصادي اجتماعي يلتف حوله الشعب، ويضعنا على الطريق الصحيحة لمعالجة التحديات كافة التي تواجهنا. بوضوح أكثر، نحن بحاجة إلى تجديد العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن على أسس جديدة تحوز على ثقة الناس.
أكثر من ستين بالمئة من المواطنين لم يكونوا أحياء لدى تجربة نهاية الثمانينيات، حين واجهتنا أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى انخفاض قيمة الدينار إلى النصف، وتوقيع برنامج تصحيح قاس مع صندوق النقد الدولي. كان الحل انتخابات عامة للمرة الأولى منذ ثلاثين عاما، أدت إلى مجلس نواب شعر الناس أنه يمثلهم فعليا. ثم أتبع بتشكيل لجنة ملكية لوضع ما سمي "الميثاق الوطني". وبينما لم تكن اللجنة منتخبة من الناس، إلا أن الأغلبية شعرت أنها ممثلة للتيارات كافة، وذات مصداقية عالية. وقد ساهمت هذه الخطوات مساهمة رئيسة في حماية البلاد وتجنيبها مزيدا من القلاقل حين انقطعت المساعدات العربية والأميركية كافة بعد عام، بسبب حرب الخليج. لم تخرج تظاهرة واحدة ضد الحكومة آنذاك.
مفيدة العودة إلى بعض نصوص الميثاق الوطني، لأن مبادئه الرئيسة لم تتغير بمرور الزمن؛ ما تغير هو إصرار على إصلاح سياسي تجميلي لم ينجح في تجسير فجوة الثقة المتزايدة بين السلطة وبين الناس. وغني عن القول إن انسداد الأفقين السياسي والاقتصادي معا ليس في مصلحة أحد: "دولة القانون هي الدولة الديمقراطية التي تلتزم بمبدأ سيادة القانون وتستمد شرعيتها وسلطاتها وفاعليتها من إرادة الشعب الحرة"؛ "إن الدولة الأردنية هي دولة القانون بالمفهوم العصري الحديث للدولة الديمقراطية، وهي دولة المواطنين جميعا مهما اختلفت آراؤهم أو تعددت اجتهاداتهم"؛ "تحقيق المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين رجالا ونساء دون تمييز"؛ "الحفاظ على الصفة المدنية والديمقراطية للدولة. واعتبار أي محاولة لإلغاء هذه الصفة أو تعطيلها باطلة من أساسها، لأنها تشكل تعديا على الدستور وانتهاكا لمبدأ التعددية ومفهومها"؛ "التعددية السياسية والحزبية والفكرية هي السبيل لتأصيل الديمقراطية وتحقيق مشاركة الشعب الأردني في إدارة شؤون الدولة وهي ضمان للوحدة الوطنية وبناء المجتمع المدني المتوازن"؛ "الاقتصاد الوطني المتحرر من التبعية دعامة حقيقية من دعائم استقلال الوطن وأمنه وتقدمه، وهو يتحقق بالاعتماد على الذات"؛ "تحقيق متطلبات العدالة الاجتماعية للأردنيين كافة... بما يحقق التوازن والسلام الاجتماعي ويوفر الأمن والاستقرار في المجتمع".
روح الميثاق هذه، بما فيها من توافقية وتشديد على التعددية، نفتقدها اليوم. إذ نادى الميثاق قبل ما يقرب من ثلاثين عاما بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وتأتي الدولة لترفض ذلك اليوم تشريعا وممارسة. أين نحن اليوم مما توافقت عليه مكونات المجتمع قبل ثلاثين عاما من العمل نحو اقتصاد متحرر من التبعية، معتمد على الذات؛ أو الإيمان المطلق بمدنية الدولة وديمقراطيتها، أو تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين، أو الالتزام بسيادة القانون؟ هذه ليست شعارات ترفع، ولكنها روافع ضرورية للسلام والأمن الاجتماعيين، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.
روح الميثاق والعمل على تحقيق بنوده التوافقية، هما الكفيلان بإعادة جسور الثقة مع المواطن. لم يعد إضعاف مشاركة الناس بالقرار من مصلحة أحد، ولم يَعُدْ الناس مقتنعين بالحديث عن الإصلاح، بينما النتائج على الأرض مغايرة لذلك.
الغد