من المسلم به أن الشخص يحتكم لا شعورياً إلى ما بداخله من أهواءٍ وميولٍ وثقافةٍ واهتمامات يُسقطها على قراراته في البيئة المحيطة به، ويأتي هذا الاحتكام في أوجه صوره إذا ما كان القرار المطلوب مجرد من التدخلات والعلاقات الانسانية .
ومن المسلم به في العالم المنطقي، أن المثقف ينحاز في قراره الى المرجع الذهني الذي يسيطر على البناء العقلي بداخله، ما ينتج تلقائياً قرارا يخضع لأفكاره المثقفة الشيء الذي يتجرد به من العلاقات الانسانية، ويكون خياره خاضعا لشخصيته الكامنة .
وإذا ما أخذنا انتخابات نقابة الصحفيين الاردنيين مثالاً في هذا الجانب، فمن المنطقي ان يهتم الصحفي المثقف الذي يعمل في القسم الثقافي، بأن يكون لدى المترشح معرفة ثقافية أو ان لديه القليل منها، وليس من العقل والمنطق أبدا أن يستبعد الصحفي هذه القاعدة، وان حصل فهو يكون قد تخلى عن شخصية المثقف التي سقطت مقابل أساليب وعلاقات هامشية كـالزمالة مع المترشح، او أن المترشح اتصل قبل غيره، او أنه أعلن ترشيحه مسبقاً، وغيرها من المقاييس التي كانت تستخدم في المجتمع ابان انتخاب مجلس النواب 1947 .
وفي السياسة عادة، فإذا ما تطلب الظرف ان يكون هناك قيادة حازمة، فانه يتم اللجوء الى النخب العسكرية وقد تكون غير مسيسة، فيتم وضعهم في مقدمة المشهد، وذلك كون قراراتهم تخضع لأفكارهم وثقافتهم العسكرية بما فيها من جرأة وحزم .
ومن المسلم به أيضاً في العالم المنطقي، أن الصحفي المختص بالشؤون الاقتصادية او السياسية، أليس عليه عند التصويت والاختيار من بين المترشحين ان يحتكم الى قناعته العملية ومستواه الفكري واختيار من لديه دراية بالشأن الاقتصادي او السياسي التي هي عنوانٌ بارز في العمل النقابي ، وكيف يتم اسقاط هذه المعايير من حساباتنا كصحفيين ونحن قادة رأي نقصر بحق أنفسنا عندما نقود خيارات بدت ضيقة جدا لتخليص نقابتنا من مستنقع الركود والتراجع؟
والحقيقة أن حال الصحفيين في تعاملهم مع انتخابات نقابتهم أمر مزعجٌ، فهو يثير مخاوف فئات المجتمع الأخرى ويزيد الفجوة بينها وبين الأمل، وذلك وفقاً لمجموعة من الاصدقاء الذين بدت عليهم ملامح الاستياء من الحالة الانتخابية للصحفيين، وأساليب طرق اختيار ممثليهم في مجلس نقابتهم، وبدت عليهم مخاوف من المشهد العام، وكيف للمجتمع ان يتأمل من الصحفيين خيراً وهم الذين يقع على عاتقهم الارتقاء به، في وقت يتسيد حراكهم الانتخابي طرق " استجداء الصوت" التي خضعوا لها سنوات طويلة رافقها فشل وتراكمات مؤلمة سببه الاختيار بعيدا عن احترام الذات والعقل الذي يمتاز به أعضاء النقابة والذي لا مفر هذا العام ان يحتكموا الى فكرهم النيّر عند الإدلاء بأصواتهم .
وكيف نتباكى بعد الانتخاب ونتهم مجلس النقابة بالتقصير ونحن نرضى بالانتقائية واللامبالاة والارتماء تحت وطأة اعتبارات الخجل والصداقة والمؤسسة وغيرها من محاولات الاستجداء دون التحدث مع المترشحين بشكل حاد وحازم بالعمل النقابي، ومدى امتلاكهم للرؤية والقدرة على التعامل مع الوضع الراهن الذي لا تستطيع نقابتنا فيه ان تخرج من عنق الزجاجة، بل أن جرحها سيبقى نازفاً إن لم نغير في خياراتنا .