تتسارع وتيرة تحضير الأرضية لإعادة ترميم العلاقات بين الأردن وقطر بعد أن شابها التوتر ومهاترات إعلامية منذ إبعاد قادة حماس إلى الدوحة عام 1999. التحرك الأخير يتناغم مع إيقاع إستراتيجية أردنية جديدة تسعى لتنويع خيارات المملكة السياسية وكسر حدة "التخندق" في الساحة العربية المنهارة.
رئيس الوزراء نادر الذهبي وصل إلى الدوحة أمس لبحث سبل تفعيل اتفاقات التعاون بين البلدين, على أمل أن يتوج ترطيب الأجواء بزيارة قريبة للملك عبد الله الثاني إلى الدوحة, لأول مرة منذ أوائل .2003 قبل ذلك قام رئيس الديوان الملكي الجديد ناصر اللوزي بزيارة خاطفة إلى الدوحة في محاولة لكسر الجليد في العلاقات المتأرجحة لسنوات.
محادثات الذهبي مع القيادة القطرية تتركز على تنظيم العمالة الاردنية والمقدر عددها بحوالي 20.000 شخص, بمن فيهم 500 معلم وأستاذ جامعة وآلاف العاملين في القطاع الصحي والبنوك والقوات المسلحة. يسعى الأردن لضمان انسياب عمالة جديدة إلى الدولة الخليجية النفطية في زمن التباطؤ الاقتصادي, المحلي وتداعيات الأزمة المالية العالمية على اقتصاديات المنطقة.
كما ترنو عمان, التي تجهد في مكافحة ثنائية الفقر والبطالة في صفوف الشباب ضمن جهود تعزيز الأمن المجتمعي, إلى زيادة حجم الاستثمارات القطرية في المملكة, والتي تقدر حاليا ب¯ 400 مليون دولار, ودراسة إمكانية شراء الغاز وذلك بعد أن تعثرت مساعي إدامة الحصول على غاز مصري بشروط تفضيلية سابقة لتغذية احتياجات قطاع الصناعة.
قطر استبقت زيارة رئيس الوزراء بسلسلة من إجراءات تعكس نوايا إيجابية بالانفتاح صوب الأردن. إذ وافقت بسرعة قياسية "بلغت أربعة أيام" على طلب استمزاجها بتعيين أحمد المفلح سفيرا للأردن في الدوحة, بحسب مسؤول حكومي رفيع "للعرب اليوم".
كان يشغل الموقع الدبلوماسي الأول في قطر قائم بالإعمال بالإنابة منذ استدعى الأردن سفيره "للتشاور" منتصف العام الماضي, بعد أن صوتت الدوحة ضد ترشيح الأمير زيد بن رعد, سفير الأردن لدى الأمم المتحدة, لمنصب أمين عام الأمم المتحدة, معارضة بذلك قرارا إجماعيا عن مجلس وزراء الخارجية العرب.
المسؤول الحكومي يقول إن قطر خفّفت أخيرا من قيود صارمة غير معلنة كانت فرضتها على تجديد أذون إقامة العاملين الأردنيين بالتوازي مع تشديدها في منح تأشيرات عمل جديدة لمصلحة سوريين وجنسيات عربية أخرى.
حدّة " المواجهات الإعلامية" بين البلدين كانت تراجعت منذ زيارة رئيس وزراء ووزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم أل ثاني للأردن في الرابع من تشرين الثاني ,2007 لحضور أعمال مؤتمر المرأة العربي (أفاق المستقبل) ولقائه في تلك الزيارة مع الملك عبد الله الثاني.
فضائية الجزيرة واسعة النفوذ في العالم العربي كانت قد تحولت, بحسب بعض المسؤولين الاردنيين, الى راس حربة في معركة سياسية واعلامية شرسة بهدف ضرب مصداقية ما يسمى بمحور دول الاعتدال العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وتعرية مواقفها امام شعوبها المحبطة اصلا من سياسة امريكا في العراق وفلسطين.
لكنها هدأت بعد المصالحة بين السعودية وقطر قبل شهور.
التأزم القديم/الجديد بين قطر والأردن سببه غالبا وقوف البلدين في محاور سياسية متقابلة.
تنسيق الأردن السياسي الوثيق مع السعودية, غريمة قطر التقليدية, لم يعجب الأخيرة. كما أن عمّان عتبت على دعم الدوحة لحركة حماس التي انقلبت على السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس الفتحاوي, حليف الأردن في مفاوضات السلام. وتوجست أيضا من انفتاح الدوحة على طهران, زعيمة محور التشدد.
لكن الأوراق اختلطت بعد فشل رهان الأردن على تحالف المعتدلين لتحقيق السلام والتنمية في المنطقة. اليوم يشعر الأردن بالقلق مع تبدد فرص حل الصراع مع إسرائيل سلميا قبل رحيل الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش بداية العام المقبل, وبدأ يتحسب لمواجهة الخيارات. لأجل ذلك هو في أمس الحاجة لتنويع خياراته وتحالفاته التكتيكية لخدمة استراتيجيته العليا.
الأزمة اللبنانية, التي كانت واحدة من ملف الخلافات بين الأردن من جهة وسورية وقطر من جهة أخرى, تلحلحت بعد مصالحة الدوحة.
انفتاح الأردن الاخير على حماس, وقبلها بشهور على سورية, ساهم في ازالة اسباب اساسية ساهمت في احتقان العلاقات ضمن لعبة "سياسة المحاور", بحسب دبلوماسيين.
ملء الفراغ الدبلوماسي لم يقتصر على الدوحة فقط. قبل شهر كان السفير الأردني الجديد لدى دمشق عمر العمد يقدم أوراق اعتماده للرئيس السوري بشار الاسد ليشغل منصبا ظل فارغا منذ عودة السفير والنائب الحالي هاشم الشبول من دمشق قبل أكثر من عام.
قبل عشرة أيام, زار اللوزي ومدير دائرة المخابرات العامة الفريق محمد الذهبي نقلا رسالة شفوية من الملك عبد الله الثاني لبشّار الأسد تعكس رغبة الأردن في تفعيل التعاون الثنائي لمصلحة الشعبين من خلال بوابة الاقتصاد والتجارة بعد ان سارت العاصمتان العام الماضي نحو حل خلافات عميقة حول الأمن والحدود وتقاسم المياه كمدخل لتحسين العلاقات.
يرغب الأردن في استنساخ تجربته الاخيرة مع سورية على قطر بعيدا عن استحقاقات فرضتها طبيعة التحالفات التي اقامتها الدول العربية لحماية مصالحها بعد سقوط بغداد عام .2003 العلاقات الاقتصادية الوثيقة قد توفر أرضية للارتقاء بالعلاقات السياسية وحمايتها. ففي عالم السياسة والمصالح الاستراتيجية لا يوجد مثاليات ومواقف أخلاقية صارمة.
مسؤول أردني آخر يقول: "آن الأوان لأن تحترم جميع الدول العربية خصوصية كل عضو في الجامعة العربية وشبكة علاقاته وتحالفاته التي تمليها مصالحه, وأن تخرج من بوتقة تقييد علاقاتها مع بعضها البعض من خلال من يقف مع من ضد من في محور من".
التفكير بالمصالح المشتركة وتحييد المشاعر عنوان الجهد الاردني الجديد للتعامل مع تحديات داخلية ضاغطة ومشهد اقليمي غير مستقر, وإدارة أمريكية جديدة بقيادة الديمقراطي باراك اوباما ستركز على الشأن الداخلي وتغير من استراتيجية سياساتها الخارجية. فهل ينجح الأردن في تحقيق طموحه بالتأسيس لعلاقات عادية مع الدوحة خالية من التوتر إذا أخذ في الاعتبار أن غالبية أصحاب القرار في العاصمتين مع هذا التوجه?0