-1-
أول عمل يتبادر إلى الخاطر حينما «يتخربط» عمل جهاز ما من تلك الأجهزة الحديثة التي ملأت حياتنا هو إعادة التشغيل، وسرعان ما تسمع تلك الكلمة ممن يوجدون حولك: «إطفي وشغل»!
-2-
كتب أحدهم: عندما تباطأ الحاسوب ثم جمد في مقهى الإنترنت ذات مرة أخبرت صاحب المقهى عن المشكلة فأطفأه ثم أعاد تشغيله من جديد. هذا ما أريده : أريد أن يطفئني أحدهم ويعيد تشغيلي من جديد أو ربما يبقيني نائماً كي أرتاح إلى أن ينتهي كل هذا. هل يمكن أن أنام بلا كوابيس؟!
-3-
أنا لا أعاني من أي كوابيس، ولا أتقلب في الفراش، وليس لدي أي مشكلات في النوم والحمد لله، ومع هذا أشعر بحاجة ماسة أحيانا لإعادة تشغيل، أو حتى العودة إلى حالة «ضبط المصنع» هذا ليس شعورا خاصا بي، ثمة حاجة ماسة لنا كلنا للعودة إلى تلك الحالة، إن على مستوى فردي أو جماعي، أعني إعادة تشغيل مجتمعي، والمعنى هنا أكبر مما يمكن استيعابه للوهلة الأولى، ولا داعي لكثير من الشرح!
-4-
من المشكلات الشائعة في الأجهزة الحديثة، خاصة الحاسوب، أنه قد يصل إلى مرحلة مقلقة من «الخراب» حينما يعيد تشغيل نفسه كلما حاولت أن تشغله، هذا يعني أن ثمة عطلا فنيا أصابه، ويحتاج إلى تصليح، لو انتقلنا إلى الحالة البشرية على مستوى الأفراد مثلا، ستجد أن هناك نماذج من البشر يعيشون مثل هذه الحالة، فهم ما يكادون يبدأون في عمل ما حتى يعودوا إلى نقطة البداية، إنهم في حالة «إعادة تشغيل» مستمرة، يقيمون في اللامنطقة، كأن أرجلهم معلقة في الهواء، وثمة مجتمعات بأكملها ربما تعيش قريبا من هذه الحالة، فهي منشغلة باللاشيء بشكل مستمر، تعيش على هامش الحياة، تتطفل على الآخرين، في أحشائها تقيم فيروسات تعطيل عملها، هذه أحوج ما تكون إلى عملية «ضبط مصنع»!
-5-
في التطبيقات البشرية لعملية «إعادة التشغيل» ثمة حيل بسيطة قد تعيدك إلى تلك اللحظة الجميلة، حين تبدو وكأنك بدأت من جديد، فقط تحتاج إلى قرار واع وصغير، وهو أن تبدأ بالبحث عن الوجه الآخر لكل ما يزعجك، الوجه المضاد للسواد، الأمر لا يحتاج إلى معجزة، فقط فكر مليا بمن يريد أن يعكر صفوك، و»جاكره» وعانده ولا تتعكر، يقال هنا أنك إن استقبلت هزيمتك بابتسامة فقد حرمت خصمك من لذة الانتصار، فكأنك لم تهزم، وكأنه لم ينتصر!
هذه عملية ذكية جدا من عمليات «إعادة التشغيل» ولو بالمعنى المجازي، كل السلطات المستبدة تركز على محاولة «كسر» خصومها، كائنا من كانوا، وبغض النظر عن كونهم عدوا حقيقيا أو مفترضا، كلما قاومت «الضحية» أي ضحية، محاولات كسرها، كانت أقرب إلى هزيمة من «انتصر» عليها!
يبدو أننا أمعنا في التفلسف، لا أريد في الختام أن أضيع الهدف الأول من هذا المقال، وهو أن أحول هذه المساحة إلى كوة أمل تطل على حقل من الورد، أعيدوا تشغيل أنفسكم، كلما شعرتم أنكم وصلتم إلى لحظة الاختناق!
الدستور