وقع أكثر من سبعين نائبا على مذكرة أمس، تطالب الحكومة بتقديم دعم شهري "مقطوع" للعائلات التي لا يزيد دخلها الشهري عن 500 دينار.
مطلب النواب وجيه، وينطلق من اعتبارات لا يمكن التشكيك فيها؛ لأن أصحاب الدخل المحدود يعانون الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة، وبالكاد يتدبرون حاجاتهم الأساسية.
لكن من غير المرجح أن تستجيب الحكومة لدعوة النواب بالدفع نقدا، لأسباب معروفة، رغم إقرارها بحاجة هؤلاء إلى الدعم.
وقد يكون من الصعب على أي جهة رسمية حصر الفئات التي تستحق الدعم، في غياب منظومة إحصائية دقيقة. لكن ما رأيكم لو استبدلنا الدعم النقدي، الذي يتبخر أثره بسرعة، بخدمات مجانية وأخرى ميسرة، تخفف من الضغوط على ميزانيات الأسر محدودة الدخل؟
لتكن البداية بموظفي القطاع العام. لماذا؟ لأنهم الأقل دخلا بين فئات العاملين في الأردن، وفرص حصولهم على زيادات سنوية مجزية مقارنة بالعاملين في القطاع الخاص، شبه معدومة في هذه المرحلة التي تعاني فيها موازنة الدولة شحا في الموارد وعجزا ومديونية.
تستنزف أجور النقل وفاتورة البنزين لمن يملك سيارة من الموظفين، قدرا غير قليل من رواتبهم الشهرية. ماذا لو فكرت الحكومة في توفير حافلات لنقل الموظفين من أماكن سكناهم إلى مراكز عملهم؟ ولتكن البداية من العاصمة عمان وجوارها، ويمكن أن تشمل المرحلة الأولى مدينة الزرقاء أيضا. تستطيع الحكومة أن تتعاقد مع شركات نقل خاصة للقيام بالمهمة.
كل موظف يحتاج في اليوم إلى ما لا يقل عن دينارين للتوجه إلى عمله والعودة منه. وبهذه الطريقة سيوفر نحو 30 دينارا في الشهر.
ماذا لو فكرت الحكومة في تأسيس دور حضانة في المؤسسات الحكومية الكبرى التي يعمل فيها مئات الموظفين، مخصصة لأطفال الموظفات والموظفين الذكور إن رغبوا أيضا؟ هناك الآلاف من الموظفين ينفقون مبلغا لا يستهان به شهريا على دور الحضانة، مقابل استمرار الزوجات في العمل. ويضطر آخرون إلى استقدام خادمات بكلف باهظة لخدمة أطفالهم الصغار.
يتعين مساعدة هذه القطاعات العريضة على التخلص من هذه الأعباء المادية الثقيلة، بإنشاء دور حضانة تابعة لمؤسسات الدولة، وبتكلفة معقولة.
ماذا لو فكرت الحكومة في تخفيف فاتورة الكهرباء على موظفي القطاع العام، عن طريق تقديم عروض لتركيب سخانات شمسية لمنازلهم، بنظام التقسيط المريح "ديناران في الشهر" باتفاق مع الشركات المتخصصة في هذا المجال، لتوفير مياه ساخنة لتسعة أشهر في السنة على الأقل؟ فاتورة الكهرباء تشكل عبئا على ميزانية العائلات، وهي مرشحة للزيادة في الفترة المقبلة، ومن الضروري التفكير في تقنين الاستهلاك. وكلفة مثل هذه المبادرة لن تكون عالية على الموازنة، لأن فئة واسعة من الموظفين استعانوا من قبل بالسخانات الشمسية.
المبالغ التي تم اقتطاعها من رواتب المسؤولين، بالإضافة إلى ما يفيض من صندوق عضوية ممثلي الحكومة في مجالس الإدارات، يمكن توجيهها لتمويل هذه المشاريع، على أن تتكفل كل وزارة باقتطاع مبالغ محددة من ميزانياتها لتغطية حصتها.
لقد وقفت الحكومة طويلا أمام بند النفقات في موازنتها، لشطب ما يمكن شطبه وتخفيض ما تستطيع تخفيضه، وفي الوقت نفسه تعظيم بند الإيرادات. حان الوقت لأن تنظر بالطريقة ذاتها إلى ميزانية العائلات الأردنية لتخفيض نفقاتها، ولا نقول زيادة إيراداتها.
هناك، من دون شك، العشرات من الأفكار التي يمكنها أن تساعد في التخفيف على المواطنين غير تلك التي اقترحتها. المهم أن نؤمن بالمبدأ ونبدأ بحك رؤوسنا.
الغد