أمس كنت في المطار , أستقبل صديقا جاء من أمريكا ...جلست على كرسي في قاعة الإستقبال , أراقب الناس التي عادت للتو من سفر طويل ..كان العناق سيد الموقف ودمعات الإشتياق تسيل رويدا ..
مرت سيدة ترتدي (شالا) احمرا , لا أعرف من تنتظر ؟ ولكن على ما يبدو أنها تنتظر زوجها , وحين وصل ...طوقته بيديها , وانهالت عليه في القبل بشكل هستيري ...وأنا كنت مطمئنا على أن شعبنا ما زال يملك رصيدا وطنيا من الحب بالرغم من كل شيء .
في الزاوية الأخرى وقفت أم في منتصف الستين ...هي الأخرى لمت ابنها بحضنها وكانت تقول :- (اشتئتلك كثير يا ماما ) ..وهو كان يبكي , لا يوجد في الدنيا كلها أجمل من حضن الأم , ومن لحظات اللقاء بعد غياب طويل.
زمان كنت أسافر كثيرا , أتذكر أني غبت في بغداد لأكثر من اسبوعين ..وحين عدت للمنزل , وفي اللحظة التي دخلت فيها ...داهمني أبي بالسؤال :- (جيت ؟؟) ..لم أعرف ماذا أجيب هل منظري مثلا يوحي بأني لم ات بعد ؟
وذات مرة ذهبت لمصر , وفي اللحظة التي دخلت فيها المنزل داهمني أبي بالسؤال :- (وين حاط ريموت التلفزيون صارلنا اسبوع بندور عليه ) ...
في مطار عمان , غالبا ما يستقبلني أفراد الأمن العام بلفيف من الود, فبعضهم حين يقرأ الاسم في جواز السفر , يسألني :- (شو كاتب بكره) ...وأحيانا يداهمني موظف جمارك بوابل من القبل ويقول لي :- (أخو خضرة احمل اللي ودك أياه..ابشر وانا اخوك) ....
كم أتمنى حين أعود من السفر أن تقابلني سيدة مثل تلك السيدة التي كانت تنتظر في المطار وتنادي علي بأعلى صوتها :- (عبووود اشتئتلك) .
قبل رحيل أبي , أتذكر أني ذهبت في دورة لألمانيا ومكثت هناك أكثر من اسبوعين ..عدت ليلا وكان شهر اب لاهبا , ما زلت أذكر أبي وهو جالس على باب الدار (بدشداشته) البيضاء ولحظة نزولي من التكسي وعلى الفور قال لي :- ( ماتور الثلاجة فقع ..بكره روح جيب ثلاجة ) ...
هي الأحلام الوحيدة في بلدنا , والتي لا تخضع لضريبة مبيعات , ولا لزيادة في السعر ولا لرفع الدعم .... ومن حقي أن أحلم بسيدة ترتدي شالا أحمرا , تنتظرني عند بوابة الخروج وتصرخ ...:- (عبود اشتئتلك) ...
الراي