استيقظ جمهور الشارع الأردني صباح أمس السبت على خبر تنفيذ أحكام الإعدام بحق خمسة عشر مدانا بقضايا إرهابية، وبعكس التصنيف الرسمي المتداول، فإن جميع القضايا تدخل في باب الجرائم الإرهابية ضد الأرواح والأمن العام ومنها بالتأكيد جرائم الإغتصاب والقتل بدافع الإغتصاب فضلا عن الأعمال المصنفة تحت بند الإرهاب القتالي كجرائم خلية إربد وصما والبقعة،ومن المؤكد أن تخرج ردود فعل خارجية تنتقد عمليات التنفيذ لغايات إرضاء الفكر المتحول من عالم قتل فيه خمسين مليون إنسان في الحرب العالمية الثانية الى عالم من «ملائكة الرحمة»،لا يحكمون بالإعدام قضائيا ولكنهم ينفذونه فورا بالطائرات والمواجهات المباشرة ضد شعوب العالم الثالث أو المجرمين في شوارعهم.
هنا ودون الخوض في أسئلة لا يمكن الإجابة عليها فورا،مثل لماذا لا ينفذ حكم الإعدام بحق العشرات من المحكومين الآخرين، فقد قدّر الأمر الرسمي أن المجموعة التي واجهت التنفيذ فجر السبت، كانت مصدر خطر كبير على المجتمع،والأخطر من الأعمال الإرهابية هو الفكر الذي تحمله تلك الشخصيات،وكأنهم يمثلون قنابل إنشطارية تلحق الضرر بأكبر عدد من الناس، فيما الجرائم الواقعة وليدة اللحظة، يكون تأثيرها أخف،ومع هذا فإن الجرائم الواقعة ضد البشر لا يمكن التفريق بينها، ويجب الإقتصاص دون تخصيص.
في مجتمعنا الأردني،نسمع كثيرا تعليقات المواطنين بخصوص حالات الإعتداء على حياة المواطنين والجرائم الكبرى، وكثيرا ما يتهم البعض بأن التراخي وإيقاف أحكام الإعدام هي أحد أسباب إنتشار معدلات الجريمة، وبروز ظواهر التحدي ضد السلطة الأمنية والنعرات الفوقية والإعتداء على رجال الأمن واستسهال قتلهم، والجميع يطالب بفرض قوة القانون، وكثيرا ما سمعنا جملة مشهورة وهي :» لازم يعلقوا مشانقهم على باب الجامع الحسيني» ولعل كثيرا من الجيل الجديد يقولها ولا يعرف علاقة الجامع بذلك، وللعلم فإن عمليات تنفيذ الإعدام كانت تنفذ في ساحة الجامع حتى منتصف الستينات، ورأينا صورا لمجرمين من ذلك العهد.
إن عمليات الإعدام التي أخذت حكما قضائيا قطعيا دون العفو من أولياء الدم أو ذوي الضحايا يجب أن تنفذ حسب غالبية آراء الناس، ليس لأن الرأي العام يتقبل فكرة القتل بشكل عام أو متعطش لروايات الأموات، بل إنهم يرون فيه ردعا للفكر الإجرامي، ومنعا لوقوع الإعتداء على الأرواح والأموال، وأقل من الإعدام يجب الحكم بالسجن سنوات طويلة على سارقي المال العام وأفراد العصابات الخطرة وتجار المخدرات المجرمين الذين لا يقلّون إرهابا عن أعضاء الخلايا الإرهابية.
إن قوة الردع المسبق هي تحقيق للأمن الوقائي،وحتى نصل الى مرحلة لا نسمع فيها بأحكام الإعدام، يجب على المجتمع أن يعيد برمجة عقليته الفوضوية التي باتت تحكم على أطفالنا وشبابنا بالعنترية الصغيرة التي باتت تتضخم شيئا فشيئا حتى أصبحنا نرى تصرفات السائق أخطر من عقلية قائد الفيلق نفسية الموظف الصغير أكبر تعاليا من الوزير المتواضع، وطالب المدرسة الإبتدائية مبدعا بالتحايل على أهله أكثر من نصّاب محتال، ونرى عشيرة كاملة تنتفض إنتصارا لأحد أفرادها الذي يرتكب عملا جرميا أو يحمل سجلا قضائيا يسود له الوجه، وكأننا نعيش في أطراف غابة لا حام لها.
اليوم وبعد تنفيذ أحكام الإعدام، يجب العمل وبتركيز كبير ومن جميع مؤسسات الدولة على إعادة إنتاج الفكر الإيجابي للمجتمع وأن تركز وزارة التربية والتعليم والجامعات التي تخلت عن دورها التوعوي والتربوي لنشر فكر إحترام البشر والتحذير من الغلوّ والتطرف الفكريّ والنزعات الفردية التي أصبحت كالنار تأكل في قيمنا المجتمعية،وعلى الجميع أن يتوقفوا عن ترديد الجمل الغبية التي تحّمل الفقر والسياسات الحكومية مسؤولية تدهور أخلاقنا وتراجع قيم الإحترام والتسامح بيننا.
الملاحظة الصادمة أن العام الماضي 2016 وقعت 118 حالة إنتحار في الأردن،وهذه المسجلة أمنيا، فهل هناك من يشرح للناس الفرق بين أن تقتل نفسك أو تقتل الآخرين،وبين القصاص الذي قال الله تعالى عنه» ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب»، فروحك وأرواح الآخرين ليست ملكا للبشر كي تزهق، ولو كنا في المدينة الفاضلة المحكومة بهدي من الله، لن نسمع عن جريمة ولا حكما بالإعدام، ولكنها طبيعة البشر عندما يرون أنفسهم أكبر من هذا الشعب فيتجبرون، ولكن الله بالمرصاد، أمرّنا بالتسامح والحلم والتعاون على البرّ والتقوى، فتلك طريق الحياة، أما من يعتدي على الأمن الوطني فلينتظر جزاءه.
Royal430@hotmail.com
الرأي