برغم انني من اولئك الذين يطالبون دوما بعفو عام، خصوصا، في القضايا التي تحتمل العفو، الا انني ايضا اشعر بإثارة شديدة، ازاء غضبة بعض من يعملون في مجالات حقوق الانسان، ازاء الاعدامات التي جرت يوم امس.
هذه غضبة غير عاقلة، والذي يقرأ التهم، يعرف انهم قتلة ومجرمون، احدهم يغتصب ابنته وتصبح حاملا منه، ثم يقتلها، وآخر يقتل فتاة جامعية، وهي ذاهبة الى جامعتها، وحالات اخرى لقتلة قاموا بإطلاق النار وقتل عسكريين، وتنفيذ عمليات بشعة، والحوادث تتكرر بذات الصيغة.
احكام الاعدام، لا بد ان تعود في مثل هذه الحالات، لردع كثيرين، بدلا من مراهنتهم على السجن فقط، او التسويات الاجتماعية، ومنذ ان توقفت احكام الاعدام، ارتفع منسوب جرائم القتل، بشكل واضح، بل ان طبيعة الجرائم، باتت من النوع البشع، والجديد على المجتمع.
في هذا المجال لا بد ان نجدد الكلام حول طبيعة العقوبات، خصوصا، في بعض القضايا، مثل:هتك العرض، واغتصاب الاطفال، وبعض نوعيات الجرائم، فالعقوبات مازالت مخففة، ولو كان هناك منطق، لتم اعدام كل من يعتدي على عرض طفل او طفلة، او يهتك عرض امرأة، لكننا دوما نقرأ احكاما بالسجن، وهي تبقى احكام مخففة، مقارنة، بالجريمة التي ارتكبها الفاعل، وهي جريمة تقترب من حدود قتله لضحيته وان بقيت على قيد الحياة.
ان التعامل مع الروح الانسانية بهذه البساطة، امر غير محتمل، فالذي يعتدي على نفس بشرية، يجب ان يلقى ذات المصير، الا في حال اسقط الاهل حقهم، وهناك شروط شرعية وقانونية في هذا الاطار، اما التباكي على الذين تم اعدامهم، بذريعة اننا نخسر روحا بشرية اضافية، مقابل الروح التي تم ازهاقها اساسا في الجريمة، فهذا كلام يتم تزيينه لتسويقه، وهو يحمل دلالة تجميلية تحاول ان تخفي الحقيقة التي تقول ان وقف عقوبة الاعدام ادى الى زيادة الجرائم، لا تراجعها.
ومثلما ندعو للعفو العالم، عن الجرائم التي لايتسبب اطلاق سراح اصحابها بضرر للمجتمع، ويمنحهم فرصة جديدة، فإننا بالتوازي مع ذلك نعيد التأكيد ان بعض نوعيات الجرائم، لا يمكن تسكينها ولا السكوت عنها، كما في حالات الارهاب وقتل المدنيين والعسكريين، وكما في حالات الاغتصاب والقتل، فهذه جرائم لا يمكن تسكينها وادارجها ضمن حالات حقوق الانسان، التي لم تعد للاسف تفرق بين الدعوة لمنع العقوبة، وبين الغاية من تطبيق العقوبة، والواقع عند تجميد العقوبة.
الدستور