وجبة الإعدامات : الرسائل والردود .. !
حسين الرواشدة
05-03-2017 12:27 AM
الرسائل التي بعثتها وجبة الاعدامات التي نفذت امس ( طالت 15 مدانا ) جاءت دلالاتها متنوعة كما ان اتجاهاتها كانت متعددة.
على صعيد الدلالات المتنوعة، شملت الوجبة اشخاصا محكومين بقضايا ارهابية، بعضها يتعلق بعمليات كبرى كعملية اربد وبعضها يتعلق بعمليات استهدفت اشخاصا مدنيين كجريمة مقتل الكاتب حتر، واخرى استهدفت اجانب او سفارتنا ببغداد، فيما جاءت الاعدامات الخمسة الجنائية على خلفية قضايا ارهاب اجتماعي في حوادث قتل او انتهاك اعراض اثارت غضب المجتمع واحتجاجاته.
ثمة وجه واحد للارهاب مهما اختلفت اسبابة ونتائجة، وسواء اكان باسم الدين او باسم المراسيم والتقاليد، او بذريعة الانتقام فان محاولة تصنيفه تبدو مفيدة، لكن ادانة ومحاسبة الاشخاص المتورطين فيه اصبحت ضرورية وواجبة، ليس فقط من اجل الانتصار للعدالة والقانون وانما لاثبات جدية الدولة في مواجهة هذا الخطر الذي يداهم مجتمعنا، وقطع الطريق على الذين يتعاطفون معه، سواء اكانوا على هذا الطرف او ذاك.
على صعيد الاتجاهات بعثت وجبة الاعدام اربع رسائل حازمة على الاقل، الاولى على شكل تحذير للتنظيمات الارهابية التي تحاول التمدد لتصل الينا، وهذه الرسالة تعكس ارادة الدولة وجديتها بالاستمرار في الحرب ضد الارهاب خارج الحدود، ومواجهته بقوة اذا ما حاول التسلل الينا، واعتقد انها مفهومة في سياق التحولات التي تتعرض اليها التنظيمات الارهابية بعد اطباق الخناق عليها في سوريا والعراق ، سواء اكانت داعش او القاعدة التي استعادت تنظيم صفوفها، وما يمكن ان تخطط له من عمليات لتصدير ارهابها للخارج الذي نحن جزء منه.
الرسالة الثانية وجهت الى المتعاطفين مع التنظيمات الارهابية في الداخل، وسواء اكانوا معروفين او لا ، مقيمين او سيأتون لاحقا في حال عودة المقاتلين الاردنيين على الجبهات المجاورة، فان “ الردع “ هو مضمون الرسالة وعنوانها، اذ ان مصير كل من يفكر في اطار الاجرام اصبح معروفا ومحددا، ولا مجال للتهاون او الاسترخاء في مواجهة ذلك.
اما الرسالة الثالثة فهي موجهة للمجتمع الاردني من اجل تطمينه والرد على هواجسه ومخاوفه، فالدولة تمتلك من الارادة والحزم في حربها مع الارهاب ما يكفي لدفع الناس الى مزيد من التماسك والصمود والتوحد، فالشراكة هي هنا الضمانة المهمة لتوطيد ثقة المجتمع بنفسه ودعم جهود الدولة وتمكين الاستقرار فيها ، والرد على محاولات زعزعة امن الناس وثقتهم بانفسهم وبدولتهم ، وهذه النقطة بالذات هي الهدف الاهم للارهابيين.
تبقى الرسالة الرابعة وهي ذات بعد خارجي يتعلق بالجهود التي يقدمها الاردن في مواجهة الارهاب، سواء على صعيد المقاربة الامنية والعسكرية او الفكرية والقانونية، ووجبة الاعدام هنا تؤكد هذا المسار حتى وان تحفظت بعض الدول على مبدا الاعدام، لكن اعتقد ان ملف الارهاب من حيث الخطر الذي يمثله كتهديد للعالم، سيجعل هذه الرسالة مفهومة ومقبولة ايضا.
في المقابل اتوقع ان تأتينا ردود مختلفة على هذه الرسائل، بعضها وصل على شكل تحفظات من المحسوبين على التيار السلفي الجهادي، والاخرى ربما تصل من التنظيمات الارهابية من الخارج، وسواء اكانت على شكل بيانات “ وعيد “ او عمليات ثأرية، فان الدولة حين اقدمت على تنفيذ هذه المحاكمات تدرك في حساباتها الامنية والسياسية ما يمكن ان يترتب على ذلك، واعتقد انها مستعدة وجاهزة، لكن ذلك لا يمنع من التنبيه الى ان مثل هذه التنظيمات الارهابية التي تمارس اسوأ انواع التوحش لن تتردد في تهديد بلدنا وفي اثبات قدرتها على اختراقنا ولهذا لابد من الانتباه والحذر.
مهما يكن، فان وجبة الاعدامات ساعدت في تحسين المزاج العام للاردنيين ووجدت قبولا لدى اغلبية المجتمع، وخاصة الذين دفعوا ثمن هذا الارهاب من ذوي الشهداء والضحايا، كما انها منحت الدولة والمجتمع طاقة اضافية لمواجهة الحرب التي تخوضها ضد الارهاب والمتعاطفين معه، بانتظار ان تلحقها رسائل اخرى على صعيد المقاربات الفكرية التي تشكل “ رافعة “ مهمة للتصدي لجذور الارهاب، والمقاربات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نحتاجها للاطباق على “ رقبة “ هذا الوحش الخطيرة.
الدستور