الحكومة وبناء الثقة: هل تسهم الجامعات في ذلك؟
د.مهند مبيضين
09-11-2008 03:35 AM
كان لافتا في زيارة الملك إلى ماركا، الصراحة التي تحدث بها رئيس الوزراء، في لقاء الفاعليات الشعبية والرسمية بحضور الملك، بخاصة حين طرحت إشكالية الاعتداء على أراضي الدولة وهي مشكلة موجودة في كثير من مناطق المملكة، وكانت أولى مراحل العلاج قد بدأت بآلية منطقية وسهلة على الناس في سحاب والزرقاء.
الرئيس الذهبي قال: قلنا بصراحة وأمام جلالة الملك إذا الحكومة فشلت في حل مشكلة أراضي الدولة في سحاب والزرقاء فعلى الحكومة أن ترحل. وأضاف: قلنا ذلك بحضور صاحب الجلالة". وتابع الرئيس ردوده على الكثير من الأسئلة والمطالب الشعبية التي تتشابه مع مطالب مناطق كثيرة في المملكة وفي كل زيارة ملكية.
الحديث المباشر والبعيد عن المواربة والوعود والتسويف، هو الطريق الأمثل لكسب ثقة الناس قبل كسب ثقة المسؤولين، والمعالجة الشفافة التي تبديها الحكومة وتتعامل فيها مع قضايا كثيرة ربما تكون الخلطة السحرية التي تحدد معاير البقاء أو المغادرة من الدوار الرابع.
ويبدو جيدا أن الوصول إلى تلك الثقة في الخطاب تنم عن مسؤولية واضحة وجدية كبيرة في التعامل مع القضايا الوطنية الداخلية، وبأعلى درجات الشفافية، وبخاصة في قضايا قطاع الخدمات وكل ما من شأنه تحسين نوعية حياة المواطن.
ربما تكون الجولات الملكية خير وسيلة لتزويد الحكومة بمفاتيح خارطة طريق للاستمرار ببناء الثقة وتعظيم الإنجاز، وهذه الخارطة مفاتيحها واضحة، ويجب العمل على تعزيزها، ويتمثل بعضها، بعدم ترك كشف الحاجات مرتبطا بمناسبات محددة، بقدر ما يحتاج إلى متابعة ميدانية من قبل الحكومة لتضع بعدها أولوياتها ومحددات الإنجاز والمدى الزمني الذي يلزمه كل مطلب، ويمكن هنا تفعيل دور الحكام الإداريين بتشكيل لجان محلية في كل محافظة، وتكون اللجنة المحلية ممثلة فيها دوائر الخدمات، على أن يزود كل موظف من قبل مديريته بأهم الأولويات اللازم تنفيذها ووضع خطة زمنية تقديرية للإنجاز. ثم يزود المحافظ، بتقارير من كل مندوب تجمع في النهاية في صيغة تقرير ميداني يتم تغذيته باستمرار، وتزود الحكومة بالصيغة النهائية منه، فمثلا يعرف الجميع أن هناك مدارس ومراكز صحية في كل محافظة نالها من التقادم والضعف ما لا يخفى على أحد. فلماذا تظل تنتظر مرحلة الكشف المتأخر، لنصل في النهاية لوصف قطاع الخدمات بأنه في حالة يرثى لها.
في كل دولة وفي كل قطاع هناك تحديات بعضها متراكم، وآخر طارئ وناتج عن سوء إدارة أحيانا، أو عن عدم تقدير.
لذا يظل من المهم أن تتقدم الحكومة نحو الميدان بشكل أكثر فعالية، وان يحدث ارتقاء في عمل دوائر الخدمات في الأطراف بما يتناسب وطموح رئيس الحكومة أو على الأقل لمستوى الثقة الذي يتحدث بها، ويمكن هنا الإفادة من التجارب السابقة التي ثبت نجاحها في كل منطقة يزورها الملك.
في هذا السياق يبدو السؤال الملح، هو كيف يمكن تحديد الأولويات؟ وهنا يمكن تشكيل لجان محلية من دوائر الخدمات ويمكن الإفادة من الجامعات المنتشرة في كل محافظة، ففي كل جامعة عادة مركز أو دائرة لخدمة المجتمع والاستشارات، وبما أن هذه الدوائر أصبحت مكانا للموظفين المغضوب عليهم من قبل رؤساء الجامعات، فإنه بالإمكان توظيف طاقتها في عمل خارج أسوار الجامعة وبما يخدم مجتمعاتها المحلية فعلا، وهذا لا يكلف كثيرا، فقط تحتاج المسألة إلى رؤساء جامعات مبادرين.
مثلا يستطيع رئيس جامعة مؤتة أن يوظف طاقاته الفكرية في توجيه مركز خدمة الجنوب في الجامعة لتقصي حاجات المحافظة وهنا يحقق كسباً في الثقة له ولجامعته أكثر مما تحققه كتابة مقالات في الصحف. ويستطيع رئيس جامعة الحسين أن يستفيد من المسوحات التي أنجزها الدكتور باسل الطويسي وزملاؤه في دائرة خدمة المجتمع والإفادة من دراسة مركز الدراسات في الجامعة الأردنية عن معان، حتى لا تتفوق سلطة المجتمع وقياداته التقليدية على الجامعة بأكثر مما هو عليه الآن، أو كما هو حاصل في مؤتة، ويستطيع رئيس جامعة الطفيلة إعادة تقديم أوراق اعتماد الجامعة من جديد للمجتمع وهو قادر على ذلك، كي لا تنتهي الجامعة محطة لمطالب نواب تنتهي إن تعذر تلبيتها بحكم القانون بالصدام مع الرئيس الذي أنجز الكثير هناك، وكذلك الحال مع جامعة آل البيت التي أحدثت لا شك تحولا تنمويا كبيرا في المفرق ولكنها اليوم هي تأخرت، أما رئيس جامعة البلقاء فجامعته مشغولة في تسجيل رقم قياسي لأطول يافطة في معاني الولاء والانتماء!!.
نهاية الأمر، الحكومة معنية بدور أفضل للجامعات وعلى الرؤساء الذين يطالبون باستقلالية الجامعات أن يكونوا مستحقين لها، حتى لا تتحول إلى مملكات صغرى، والحكومة مهتمة أكثر بإعادة بناء الثقة بقطاع الخدمات العامة، ورصد حاجات الأطراف، والجامعات من جانبها تملك الإمكانيات إن خلصت النوايا.