خطبة الجمعة الموحدة ماذا بعد!!
أ. د. انيس الخصاونة
04-03-2017 01:10 PM
بعد بضعة شهور على تفتق قريحة وزارة الأوقاف على فكرة المسجد الجامع والمسوغات التي ساقتها لتبرير هذا الإجراء، تأتي اليوم فكرة خطبة الجمعة الموحدة والتي على ما يبدوا أنها تأتي ضمن نفس السياق وفي نفس الاتجاه لسابقتها فكرة المسجد الجامع. يا ترى من هو المحرك الرئيسي لهكذا أفكار؟ وما هو الهدف منها؟ وهل تسهم هذه الأفكار في تحسين فكرة الخطاب الديني أم ان وراء الأكمة ما ورائها من تأثيرات دولية أنجلو سكسونية للحد من دور المسجد في الإسلام ولمحاصرة الإسلام وجعل مهمته وخطابه مقتصرا على العبادات دون المعاملات ،وللنأي بمنبر رسول الله من تناول شؤون الأمة وأوضاعها وهمومها ؟
الإسلام لم يكن يوما دينا كهنوتيا يركز على العبادات فقط، لا بل فإن الفصل بين العبادات والمعاملات يعد فصلا جزافيا وقد قيل أن الدين المعاملة ، كما أنه من المعروف أن الدين الإسلامي انتشر في دول جنوب شرق آسيا وكثير من بقاع وأصقاع العالم نتيجة للمعاملات والأخلاق السمحة للإسلام والمسلمين . ونحن إذ نسجل باستغراب شديد هذا التقييد الرسمي على خطباء المساجد ،ووضع محاور للخطب ،ومن ثم التوجه لتوحيد خطبة الجمعة فإننا نعتقد بأن ذلك فيه انتقاص من دور وأهمية ووظيفة منبر رسول الله في تناول الشأن العام للمسلمين وتداول قضاياهم وبيان الموقف الشرعي فيها .ومن متابعتنا لعدد من خطب الجمعة المتعاقبة وجدنا أنها مكررة وتتناول بديهيات الإسلام وان الفكر والتوجه الدعوي في هذه الخطب يكاد يكون بسيطا وملائما توجيهه لغير المسلمين ودعوتهم للدخول في الإسلام.
توحيد خطب الجمعة يحرم المصلين في المناطق المختلفة من المملكة من فائدة التنوع في الموضوعات المطروقة ، كما أن هذا الإجراء من شأنه أن يقلل من فرص وخيارات المصلين في سماع خطب وقضايا ذات علاقة ببيئاتهم المختلفة في المدن والقرى والأرياف والمخيمات والبوادي والأغوار ، إذ أن توحيد الخطب يعني أننا أمام مسطرة واحدة ، ووجبة واحدة ، وأن المصلين لا خيار لهم إلا سماع ما تريد وزارة الأوقاف إسماعهم إياه .ليس من المعقول أن يتناول الخطباء موضوعات مكررة تتعلق بنعمة الأمطار ، والأمن والأمان ، وقضايا الغيبة والنميمة ، وإطاعة أولي الأمر، ومفسدات الوضوء وفوائد الصدقات وغيرها من الموضوعات المألوفة والمعروفة للمسلمين عن ظهر غيب في الوقت الذي لا يمكن الحديث فيه عن الفساد ،ونهب المال العام ،وغلاء الأسعار ،وارتفاع الضرائب، وإساءة استعمال السلطة ،والتربح من الوظيفة العامة، وضعف المساءلة العامة وتراجع الثقة ببعض مؤسسات الدولة. حتى أدعية الخطباء عقب صلاة الجمعة لم تعد تتضمن إشارات لشؤون الإسلام والمسلمين المعذبين في الأرض لا لشيء إلا لكونهم مسلمين ولنا فيما يعانيه المسلمين في بورما والصين والعراق وسوريا وغيرها من البلدان خير أمثلة على ذلك. كما نود أن نسجل افتقادنا لدعاء الأئمة كقولهم (اللهم عليك باليهود ومن والأهم اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا، اللهم اجعلهم عبرة للمعتبرين وحصيداً خامدين وشماتة للشامتين ، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك ومهيب سلطانك وعظيم قوتك وأنزل بهم عاجل نقمتك فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين.) ، فهل زال سبب هذا الدعاء أم أنه أصبح يعد ضد السامية؟
لا نعلم ما تخفيه الأيام والشهور القادمة من مفاجآت تتعلق بالمساجد وممارسة العبادات. لا نعلم ماذا بقي لوزارة الأوقاف أن تفعله لبسط هيمنتها على تفاصيل التفاصيل في إدارة شؤون المساجد وخطب المنابر، وهل يمكن أن نتنبأ بأن يصبح هناك خطبة واحدة توزع ودور الخطيب هو فقط قرأتها كما يحدث في بعض دول الخليج العربي؟ وهنا لا بد لنا أن نتساءل هل تواجه المساجد اضمحلالا طبيعيا لدورها الوظيفي في التثقيف والتنشئة الدينية أم أن الحكومة تنظر بعين الشك والريبة لهذه المساجد على أنها منابع للفكر الديني المتطرف أم أن الحكومة تسعى لجعل منابر المساجد منابر إعلامية لها تسمع الناس ما تريد أن تسمعهم إياه فقط واعتبار هذه المنابر كمحطات التلفزة والإذاعات؟ هذه الأسئلة وغيرها هي برسم الإجابة من السادة القراء الكرام.