يمثل قبول النظام السوري بإدراج موضوع الانتقال السياسي على طاولة مفاوضات جنيف 4 المتعلقة بالأزمة السورية وبضغط روسي ، انعطافة هامة في مسار هذه المفاوضات ، ترجمة لقرار مجلس الامن 2254 الذي يجسد خارطة طريق لحل الازمة السورية سياسيا في التأكيد على تركيز هذه المفاوضات على الجانب السياسي ( الحكم ، الدستور الانتخابات ) ، وترك الجانب العسكري لمباحثات أستانا ( وقف اطلاق النار ، مكافحة الإرهاب ) .
وعلى ما يبدو ان روسيا التي تمتلك أوراق الملف السوري وتحتكرها، باتت على قناعة اكثر من أي وقت مضى بضرورة الدفع بهذا الملف باتجاه الحلول السياسية، إدراكا منها بوجود ظروف وتطورات دولية وإقليمية تقتضي المراعاة والاخذ بالاعتبار، حتى لا تذهب الأمور بعيدا وتصبح خارج السيطرة، خاصة في ظل الخسائر التي أخذ يتكبدها تنظيم داعش في الآونة الاخيرة في سوريا ( والعراق ) في مدينة الباب ومنبج على يد قوات النظام السوري المدعومة من روسيا (وايران) والجيش الحر المدعوم من تركيا وقوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، بطريقة جعلت هذه القوات قريبة من خطوط التماس، ما يضعها امام احتمال التصادم والدخول في مواجهة ، قد تؤدي الى شحن الأجواء وتثويرها بين الأطراف الداعمة . وقد ظهرت أولى هذه المؤشرات مع توجه قوات سورية الديمقراطية ( مجلس منبج العسكري ) بالاتفاق مع روسيا بتسليم قوات الحكومة السورية مناطق على خط التماس مع درع الفرات، محاذية لمدينة الباب في الجهة الغربية لمنبج، لمنع قوات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا من التقدم نحو منبج واحتلالها، بما يعزز من فكرة إقامة منطقة آمنة، و التي تعارضها روسيا ، خاصة بعد ان أعلنت تركيا ان الوجهة المقبلة لدرع الفرات بعد تحرير الباب ستكون منبج .
ولما كانت روسيا من أكثر الأطراف تأثيرا وتعاطيا مع ملف الازمة السورية ، بصورة مكنتها من تحقيق مصالحها واستعادة مكانتها في الساحة العالمية ، فإنها قد تفقد هذه الميزة وتعطي المجال لأطراف إقليمية ودولية أخرى تجمعها مصالح مشتركة الى منافستها ومشاركتها في إدارة هذا الملف ، إن هي لم تحسن التعامل مع هذه المخاطر والمستجدات . خاصة مع وجود إدارة أميركية جديدة تميل الى حسم الازمة السورية حيت أعلنت عن استعدادها لإقامة مناطق أمنة ومعارضتها للتدخل الإيراني في سورية، وكذلك إعلانها عن ضرورة حسم موضوع الإرهاب واجتثاثه بشكل نهائي، بالتعاون مع الحلفاء من دول العالم الإسلامي في المنطقة. وهو الموضوع الذي اتهمت روسيا بعدم الجدية في التعامل معه، وبانها عمدت الى توظيفه في ضرب فصائل المعارضة السورية المعتدلة تحقيقا لمصالحها مستغلة الضبابية التي غلفت موقف الإدارة الأميركية السابقة من الازمة السورية. وعلى ما يبدو ان روسيا مدركة لهذا التحول الذي سيؤدي الى تقليص هامش الحركة والمناورة أمامها، وقد يكلفها الكثير ان لم تأخذه باعتبارها. إضافة الى انها تسعى الى استثمار فرصة وجود رئيس أميركي جديد متحمس للتقارب معها بصورة قد تسهم في رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها على خلفية ضمها لشبه جزيرة القرم وتدخلها في شرق أوكرانيا. كذلك فان روسيا تدرك ان اميركا أكثر تأثيرا في دول المنطقة التي ستكون منحازة الى الموقف الأميركي ودعمه في أي تطورات مستقبلية قد يشهدها الملف السوري، كإقامة منطقة آمنة على سبيل المثال التي تلقى دعم الكثير من دول المنطقة كالأردن وتركيا ودول الخليج، فيما تعارضها روسيا. ان هذه الأجواء العامة قد تكون مسؤولة عن دفع موسكو الى اتخاذ هذه الخطوة، وطرحها كمبادرة حسن نية لتلافي أي توترات او خلافات مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
ورغم الضغط الروسي على النظام السوري بقبول وضع الانتقال السياسي على أجندة مفاوضات جنيف 4 ، الا ان الأجواء المحيطة بهذه المفاوضات تنذر بالتوتر ( وربما الفشل ) على وقع الاتهامات الروسية للهيئة العليا للمفاوضات بان المعارضة غير موحدة لرفضها التعاون مع منصتي القاهرة وموسكو . إضافة الى اتهامها برفض إضافة موضوع الإرهاب على جدول اعمال الجولة الرابعة ، وانها ستكون مسؤولة عن تقويض المفاوضات. الامر الذي اعتبرته المعارضة محاولة روسية لتعطيل العملية السياسية، وان اصرار النظام السوري على إعطاء الاولوية لموضوع مكافحة الإرهاب بدلا من الانتقال السياسي يهدف ـ كما ترى المعارضة ـ الى توجيه الاتهام الى كافة فصائل المعارضة بانها إرهابية. ما يفسر الجهود المكثفة التي يبذلها المبعوث الدولي الى سوريا ستفان دي ميستورا مع وفدي المعارضة والحكومة السورية للتوافق على جدول اعمال المفاوضات، وسط الخلافات على الأولويات بين الطرفين.