في الدول الديمقراطية، تظهر تقاليدها ان شغل الاشخاص لمواقع قيادية متقدمة في اجهزة الدولة ومؤسساتها عبارة عن معادلة معقدة ومتداخلة من التوازنات وسجل حافل من العمليات وفي مقدمتها السيرة الذاتية والنزاهة وتاريخ العمل في الاطر المؤسسية المدنية والحكومية المتعددة والاطر الانتخابية والاجتماعية والسياسية وكذلك المؤهلات والخبرات والتخصصات التي تمنح الشخص اهلية لتبوء المواقع المتقدمة في الشأن العام.
وبقدر تعقد هذه العملية التي تقود هؤلاء الاشخاص الى المواقع العامة والمتقدمة، فانه وبكل بساطة قد تعفي بعض الاخطاء البسيطة وغير المباشرة هؤلاء من مواقعهم. كأن يستقيل وزير للتربية والتعليم ليس لان اسئلة الامتحانات الوطنية قد تسربت وانما لان طالبا في الصفوف الاولى قد قطف وردة من حديقة عامة. فكان هذا السلوك بمثابة مؤشر على الفشل في ادارة العملية التربوية الامر الذي دفع الوزير الى تقديم استقالته طوعا دون إلزام او طلب فقط لان الصحافة رصدت هذا السلوك. وإذا ما وقع خطأ مقصود يكون ذلك بمثابة شهادة تقاعد مبكرة من الحياة العامة والحياة السياسية.
بالمقابل في منظومة دولنا، تقع اشد الاخطاء والتجاوزات المقصودة احيانا من شخصيات تتبوأ المواقع العامة والمتقدمة وترصد الصحافة والناس هذه الاخطاء او التجاوزات وتصبح مثار انتقاد يومي، الا ان لا شيء يتغير كما لا تخسر أي شخصية عامة موقعها، وهكذا تصبح هذه الشخصيات اكثر قوة وهيبة وجسور على ارتكاب المزيد من الاخطاء. محصنة في مواجهة أي اصوات تحاول انتقادها بتهمة محاولة اغتيال الشخصية العامة.
امر في غاية الغرابة، انه ليس فقط من لا ينجز يمكن اعادة اختياره وانما من يخطأ ايضا يمكن اعادة اختياره عدة مرات اخرى لمواقع اكثر حساسية وان تعذر لأي سبب، يمكن اعادة انتاجه بتوريث المنصب لاحد ابنائه او اشقائه او ازواجه.
الفرق بيننا وبينهم اصحاب التقاليد الديمقراطية، في امرين الاول يتعلق بمداخل العبور والبقاء في العمل العام والمواقع القيادية، التي تقوم لديهم على اساس الانجاز وتفادي التجاوزات، وعندما يختل احدها يفقد الشخص موقعه لأبسط الاسباب.
وذلك حماية لتقاليد الصالح العام والقواعد العامة وتحصينا للمجتمع كي لا يصبح قبول الخطأ جزء من ثقافة المجتمع وكي لا تتفشى ثقافة قبول التجاوزات وتصبح امرا مقبولا لأنه عندها سينخر هذا المرض كافة المؤسسات الصغيرة والكبيرة ويفتك بالقواعد العامة الصحيحة في العمل العام بكل ما يحمله ذلك من نتائج مدمره.
والامر الثاني، انهم يحرصون على هيبة القانون وسيادته والقواعد العامة وسلامتها وتحصينهما..
بالمقابل، نحن نحرص على هيبة الشخوص واسمائهم وتحصينها بكل ما يترتب على ذلك من اثار في الحالتين. وفي كثير من الاحيان نشعر ان المواقع تفصل لأشخاص بعينهم لا بل ان بعض الوزرات تستحدث وتلغى ربما لذات الغاية الشخصية.
فهل فكرنا للحظة بتلك المداخل التي تحمل الافراد الى المواقع القيادية في الشأن العام وتلك العوامل التي تسهم في عدم خسارتهم لتلك المواقع مهما حدث. وهل فكرنا للحظة بالنتائج والكلف المدمرة المترتبة على كل ذلك.