جريمة حرب ارتكبت في ما لا يقل عن 23 بلدا..
36 دولة أعادت لاجئين على نحو غير قانوني إلى بلد تعرضت فيه حقوقهم للخطر..
22 دولة شهدت مقتل أشخاص دافعوا بصورة سلمية عن حقوق الإنسان..
بالأرقام، هذه هي حالة حقوق الإنسان في العالم، خلال العام المنصرم، كما تظهر في تقرير منظمة العفو الدولية، وهي حالة تظهر كم ينحدر العالم إلى مزيد من التوحش والهمجية بشكل رسمي وممنهج، مع أن التركيز والضخ الإعلامي العالمي يتركز على ما ترتكبه جماعات ومنظمات «شعبية» وبالكاد ينتبه الناس للإرهاب «الرسمي» الذي ترتكبه الحكومات!
تقرير منظمة العفو الدولية يركز على التحولات السياسية الصادمة التي شهدها عام 2016 عما يمكن أن يقود إليه خطاب الكراهية من إطلاق العنان للجوانب السيئة من الطبيعة البشرية، فسواء إذا كان الأمر يتعلق بترامب (الولايات المتحدة الأمريكية)، أو بأوربان (المجر)، أو بمودي (الهند)، أو بدوتيرتي (الفلبين)؛ أو بغيرهم، يتزايد باطّراد عدد السياسيين الذين يدّعون مناهضة المؤسسة الحاكمة، ويبشرون بسياسات شيطنة الآخر لمطاردة جماعات بأكملها من البشر كي يجعلوا منهم كبش فداء لآفات الواقع، ويجردوهم من إنسانيتهم، بغرض كسب الدعم وأصوات الناخبين.
ويطغى هذا الخطاب بشكل متزايد على السياسات والأفعال. كما يقول التقرير، ففي غضون عام 2016، غضَّت بعض حكومات العالم بصرها عن جرائم حرب، واندفعت لإبرام اتفاقيات تقوِّض الحق في طلب اللجوء، وأصدرت قوانين تنتهك الحق في حرية التعبير، وحرَّضت على قتل أشخاص لمجرد أنهم اتُهموا بتعاطي المخدرات، وبرروا ممارسات التعذيب وإجراءات المراقبة الواسعة، ومدَّدوا الصلاحيات الواسعة الممنوحة للشرطة.
وبقدْر ما يزداد عدد الدول التي تتراجع عن التزاماتها حيال حقوق الإنسان الأساسية في أوطانها، بقدْر ما تنحسر مظاهر التصدي لمهام القيادة على مسرح السياسة العالمي، فتتجرأ الحكومات، أكثر فأكثر،على الانضمام إلى قافلة التراجع عن احترام حقوق الإنسان على الصعيد العالمي، كما تقول المنظمة، وفي الأثناء، غضت الحكومات البصر إلى حد كبير، عما شهده عام 2016 من ارتكاب فظائع جماعية، حيث وقف العالم متفرجاً على ما تكشف من أحداث في حلب ودارفور واليمن، وكأن الأمر لا يعنيه!
وفي غضون ذلك، شنت عدة دول حملات قمعية هائلة النطاق، في عدد كبير من الدول، بينما طبقت دول أخرى تدابير أمنية تتطفل على حياة مواطنيها، كما كان الحال في فرنسا، التي واصلت تمديد العمل بسلطات حالة الطوارئ دون رادع؛ وفي المملكة المتحدة، التي نفذت قوانين غير مسبوقة لتعزيز الرقابة بأشكالها. وتجسد أحد المظاهر الأخرى لنهج «الرجل القوي» كما تصفه المنظمة، في تصاعد الخطاب المناهض للمرأة والمعادية وبقية الفئات المستضعفة، من قبيل ما شهدته بولندا من جهود للانقضاض على حقوق المرأة قوبلت باحتجاجات عارمة واسعة النطاق!
المفزع في تقرير المنظمة، أنه يكشف حقائق مريعة عن انتهاكات لحقوق الإنسان، لم تعد تقتصر على دول العالم الثالث أو الثاني، بل ثمة «عولمة» عابرة للحدود والتقسيمات شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، لإهدار كرامة الإنسان وسلبه حقه في العيش الكريم، ناهيك عن سلب حريته وحتى حياته أيضا، ما يؤكد حاجته لنظام أخلاقي دولي جديد، يعيد للأرض توازنها الإنساني، بالتوازي مع الاهتمام بجودة البيئة وحرارة الأرض، وثقب الأوزون، وما شابه، فالثقب الذي اخترق المنظومة الأخلاقية يفوق ثقب الأوزون خطرا وتهديدا لحياة البشر على هذه الأرض التي تحكمها أنظمة متوحشة في الغالب، ولا تراعي ما تسنه من قوانين «إنسانية» خاصة وأن ما يبدو من جبل جليد الانتهاكات، لا يساوي شيئا مما لا يظهر لا في الإعلام ولا حتى في تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية!
الدستور