هل ستحمل الدبلوماسية الأردنية بوادر فرج للمنطقة؟
د. عدنان سعد الزعبي
01-03-2017 12:04 PM
السياسة هي فن الممكن ، والسياسة الناجحة هي التي تتعامل مع الواقع كحقائق وتتنبأ من خلالها بالاستحقاقات المستقبلية و وضع الرؤية ومهامها وفق الثوابت التي بنيت عليها الدولة والاولويات التي من خلالها تستطيع ان تتعامل مع الاحداث والوقائع.
فالأردن يدرك تماما ان مصلحة دول المنطقة تجاه ما يجري من احداث في المنطقة لا بد من ان تمضي نحو التهدئة والعمل السلمي ومعالجة القضايا العالقة على اساس التفاوض والحوار، خاصة وان اقطاب تلك الاحداث والعناصر الفاعلة فيها والقائمين عليها والمحركين لها ادركوا الان انه لا نتيجة مع النار ولا فائدة مع استمرار الحرب خاصة وان ما انتجته سنوات الاحتراب في منطقتنا العربية لم تزدنا الا القتل والدمار والتهجير والتشريد ، (وخراب مالطا)، فلا موارد وجدت ولا انجازات بقيت ولا بنية تحتية استمرت ، ولا امن ولا امان، حيث تحولت الدول الى شوارع موت وخراب وكوارث جاءت على منجزات السنين والسنين وهلعت النفوس، فلا وجود الان في الارض الا صوت الانين والبكاء ، و اجواء الموت والفراق الدائم.
ادرك الاردن ان لعبة الصراع التي طالت غالبية عالمنا واودت بكل ثروات الامة وبددتها ، وسعت الى حالة الفوضى العامة والفقر المدقع وانعدام الامان حتى اصبحت البلدان مجرد جثة هامدة ضعيفة يسهل على القاصي والداني تكسير عظامها وفقع عيونها . . خاصة وان التهديدات والوعود التي تطلقها عواصم صنع القرار غير مشجعة وغير آمنه خاصة وان المستفيد الاكبر من كل هذا الصراع والخلاف في المنطقة وهذا الدمار والانهاك هو إسرائيل بكل مطامعها واهدافها التي لا تعرف السلام بل تحاول قتله وتدميره.
يدرك الاردن ان دول المنطقة دول لها وجودها وكيانها وقدراتها ، ويدرك ان استمرار الصراع بين هذه الدول واتخاذ المواقف التصعيدية وتشكيل التحالفات مسألة لن تزيد الامر الا المزيد من الخسارة والدمار وانهاك الشعوب ، وان استمرار الجفاء وعدم تبادل وجهات النظر للوصول للقواسم المشتركة التي يضمن فيها كل نظام عدم تدخل الدول الاخرة فيه وبناء منظومة تعاونية قد تخدم الامة العربية والاسلامية خاصة وان الامة الاسلامية تتعرض لأشد حملة تشوية مرت بتاريخ البشرية وتصوير المسلم كالوحش المفترس الي لا يروق له لا دماء البشر واجتزاز الرقاب والرؤوس.
فالجهد الذي بذله الملك دفاعا عن الاسلام يحتاج الى جهود الدول الاسلامية جميعها وتحليلها من انشغالاتها الصراعية مع بعضها والتي لا تصب الا في مصلحة من يكره الاسلام والمسلمين ويتاجر بالأديان ويتطلع طمعا بأمتنا العربية بمسيحيها ومسلميها .
ادرك الاردن ان القمة العربية القادمة فرصة لإعادة رسم خارطة الطريق العربية وتوجيه الجهود لإعادة بناء المنطقة على اساس المنفعة المشتركة والمصلحة المشتركة واعادة رسم العلاقات العربية العربية ، والعربية غير العربية بحيث تصبح تبادل المصالح والمنافع والوصول للهدف الاكبر الذي يحد من تراجع الامة وتدمير مواردها والقضاء على تاريخها وثقافتها التي انفتحت على كل الاديان والثقافات والحضارات والمجتمعات.
فترتيب البيت العربي وحل الخلاقات في سوريا واليمن وليبيا من خلال البيت الداخلي و الجلوس معا والحوار المفتوح الصادق وبنفس الوقت ارسال رسالة قوية للعواصم الغربية التي لا تنفك من تهديد الدول العربية وتتوعدها بخطورة واقع هذا الفكر والتسرع بالحكم واصدار القرارات غير المسؤولة وغير الواقعية والتي من شأنها تفاقم الازمات ودق طبول الحرب واراقة الدماء من جديد.
التواصل غير المعلن الذي يتم بين الدول الكبرى في المنطقة والتي تبشر بانفراج سياسي وعلاقات تقوم على الوضوح بدأت تفيح روائحها وبجهود تشاركية تدور بين عواصم الرياض وعمان والقاهرة وبغداد لتنعكس على طهران وانقره ، فالأردن يدرك ان نجاح المصالحة بين السويين لا يمكن الا ان يمر من بوابات ايران وتركيا والسوفيات.
وان الحرب الدائرة في اليمن لا يمكن امادها الا بحراك جدي ما بين الرياض وطهران وان مشكلة ليبيا تحتاج الى مزيد من الجهد المصري والدولي ، فالأردن ما زال يؤكد ان القضية الفلسطينية بحاجة الى جهد عربي ومسلم وموقف عربي ومسلم يدافع ضد المخططات الصهيونية .
جولات الملك لمصر وموسكو وواشنطن ولندن وتواصله مع الرئيس اللبناني و مسؤولي الرياض وابو ظبي والكويت والمنامة ودمشق ، اضافة للرسائل الملتقطة من طهران عبر بغداد ، وما اسفرت عنه من خطاب ايراني سعودي من خلال بغداد يؤكد ان حالة الفوضى والتصعيد الحاصل الان لا يمكن ان يستمر ولا يمكن ان تقبل ايران وهي التي تقف على مرمى حجر من تهديدات امريكيا وتصعيد ها حول ذلك لا تقبل ان تقدم لأمريكيا الفرصة لتنفيذ ما تهدد فيه واشنطن خاصة وان المخططات التي وضعتها بحيادية حكومة اوباما السابقة قد اصبحت من الماضي خاصة وان ترامب ونائبه لم ولن يفكوا بالحديث عن اتفاقية النووي مع ايران اضافة الى ان استمرار الوضع على ما هو عليه يعني عزلة ايران واستنزافها واستغلال الدول المحيطة للإطاحة بها وفق هذا الضعف الكبير الذي يصيب حلفاءها في المنطقة.
بوادر الفرج لا بد وان تتعمق وسنرى قريبا ترجمة ذلك على الساحة السياسية ، فالسلمية والحوار والتخلص من حالة الصراع خطوة تصب في صالح الجميع وان التأخير بها يعني المزيد من الدار والهلاك .