قبل أشهر كتبت مقالا اعتذرت فيه من أمي، لأنها تعبت كثيرا في تربيتي، خصوصا وأني كنت "شقيا بلا حدود"، ولكني اليوم سأقدم اعتذارا لأمهات كثر وبلا حدود أيضا نيابة عن أولادهن بعد أن بات النسيان رفيقهن.
أعتذر مكبلاً بالدموع للأمهات العظيمات الماكثات الآن في دور رعاية المسنين. قبل مدة وجيزة، وبحكم عملي الصحافي، زرت إحدى دور المسنين، والتقيت بأمهات تجاوزن حدود العطف والحب، رغم قسوة أبنائهن والزمان والظروف عليهن.
كل واحدة منهن، تحدثت لي بمرارة عن قصتها، بكل ما فيها من آلام، ودموع، وآهات، وذكريات، فيما لم تنطق إياهن بكلمة "غضب" واحدة على أبنائها، ما أشعرني بذهول ليس له مثيل!. علمني عملي الصبر كثيرا، ولكني وأمام هذا الموقف لم أستطع إلا أن أعترف بهزيمتي، لقد غلبتني دموعي في تلك اللحظة التي أعلنت فيها "اعتذاري وانسحابي".
عدت أدراجي إلى مكتبي وأنا أنسج خيالات. لو كان بإمكاني أن أضع الدنيا وما فيها تحت أقدامهن، ثم انسلت إلى مخيلتي صورة والدتي وهي تقبل جبيني صباحا قائلة لي بكل شغف الأمومة "الله يرضى عليك، ويفتحها بوجهك"، فعدت أيضا وذرفت دمعة من مرارة.
أنتن أيتها الأمهات العظيمات، من تستحقن الحب، والعطف، والحنان، وليذهب ذلك الحقد المستشري في نفوس أبنائكن إلى الجحيم، إليكن أهدي قبلاتي ودموعي واعتذاراتي وأعود لأطبع على يد كل واحدة منكن قبلة أرجو أن تقبلنها هدية متواضعة ممن لا يصل إلى قدركن