هل من المعقول أن نناقش أوضاعنا الداخلية بمعزل عن موقعنا في الإقليم بما يشهده في صراعات إقليمية ودولية ، وما يمكن أن نواجهه من تحديات ومخاطر قد تنجم عن العمليات العسكرية على حدودنا الشرقية والشمالية ، فضلا عن تداعيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وغير ذلك من أزمات عالمية آخذة في التعقيد والتصعيد ، قد لا تبدوا ظاهرة
للعيان ؟
ثلاثة مستويات من التعامل مع تلك الحقائق تبدو المسافات فيها متفاوتة في درجات المسؤولية ، وفي القدرات أيضا
، فهل يمكن في نطاق النقاش تجاهل المستوى الأول من المسؤولية حين يجد جلالة الملك نفسه مضطرا للتعامل مع التوازنات الإقليمية والدولية التي تحولت إلى صراع ميداني ، وعمليات عسكرية على أرض العراق وسوريا ، بعضها على تماس مع حدودنا وخاصة الشمالية ؟!
الخارطة تتغير من حولنا ، وشكل الجوار الأردني لم يعد ثابتا ، ونحن وحدنا نصون حدودنا على جميع الجبهات ، حيث تقف قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية على أهبة الاستعداد ، فهل لا نسأل أنفسنا عن عظم المسؤولية التي يحملها الجيش في هذه المرحلة الحساسة التي يتحدد فيها مصير منطقة بأكملها ، وذلك هو المستوى الثاني من المسؤولية !
أليس من الغريب أن ننظر إلى المستوى الثالث من المسؤولية ، والمتمثل في إدارة الشؤون الداخلية ، وكأنه المعضلة التي لا حل لها ، والمشكلة المنعزلة عن الواقع الذي تعيشه المنطقة والعالم ، فنختزل الأردن في نقاش غير موضوعي حول سداد عجز في موازنة الدولة ، ويتحول الخلاف على الإجراءات الحكومية لسد العجز وكأنه صراع داخلي على لا شيء ؟
قدر معقول من الموضوعية يمكن أن يقودنا إلى فهم الحقائق كما هي ، فما أقدمت عليه الحكومة من تعديلات على الضرائب والرسوم والأسعار لا يتعدى مجرد حسبة عادية لزيادة الإرادات بهدف سد العجز ، وإذا كان السؤال يتعلق بما إذا كانت تلك الإجراءات قد مست أو لم تمس الفقراء ومتوسطي الدخل أم لا ، فالجواب نعم ، وأضيف والأغنياء أيضا ، أي الشعب كله ، وإلا كيف لا يتأثر الجميع بأزمة اقتصادية يمر بها بلدنا ، في ظل ظروف استثنائية غير مسبوقة في المنطقة والعالم كله ؟
وفي مثل هذه الحالة ، وعلى مر تاريخ الأزمات الاقتصادية التي تواجهها الدول ، هل تكون الحكومات وحدها مسؤولة عن حل الأزمات أم المجموعات الوطنية كلها ، والشعوب كذلك ، فتعيد ترتيب أولوياتها ، وتتفاعل مع المجهود الوطني من خلال عمليات التضامن في إطار المسؤولية المجتمعية ، وتخفيض النفقات عن طريق التقشف ، وتغيير السلوك والنمط الاستهلاكي ، وغير ذلك مما يساعد على تخفيف الأزمة تمهيدا لحلها ؟!
وأين المواجهة الموضوعية مع النفس ، ونحن لم نستطع ولو لمرة واحدة أن نجيب على أسئلة يطرحها علينا الزائرون ، كيف تتحدثون عن البطالة والفقر وانعدام فرص العمل ولديكم ما يزيد عن مليون عامل أجنبي ، وأنتم تحتلون كذلك أعلى مرتبة بالنسبة والتناسب لمستخدمي الهواتف النقالة ، وكم يصبح السؤال صعبا عندما يتعلق بالفوارق الكبيرة في مستوى المعيشة من حي إلى حي ، ويكون الجواب أكثر صعوبة عندما يتحول إلى تبريرات غير مقنعة ؟!
الأسئلة الموضوعية ، أي المجردة من كل غاية ذاتية ، تحتاج إلى أجوبة موضوعية تعتمد على الحقل والحقيقة ، ونحن أحوج ما نكون إلى الموضوعية ، وإلا سنظل ندور في فلك النقاش العقيم الذي لن يقودنا إلى أي اتجاه ، ويجعل اللغة بيننا جافة ، فارغة من المعاني ، باعثة على اليأس والفشل ، وعندها من يحاسب من ؟!