لا اعرف بين الأحياء من السياسيين الاردنيين ايا كان اصله او منبته احداً واكب مرحلة البناء وأسهم بفكره وجرأته وصدقه في رفدها بالرأي والمشورة والحكمة اكثر مما فعل الاستاذ عدنان ابو عودة .
كما لا اظن ان احدا من السياسيين تعرض للنقد والاتهام وربما التنكيل اكثر مما تعرض له الرجل الذي ظل متمسكاً بمنهجهِ ووعيه وصِدقه ونقده وامانته واصراره على قول ما يرى دون ان يزعم يوما انه يمتلك الحقيقة او يتعدى على حق غيره في ان يقول ما قد يختلف معه، فهو يحتفل بالتنوع ويمقت احادية الاتجاه في التفكير والتحليل.
اليوم يقف الرجل في منتصف العقد التاسع من حياة مليئة بالإثارة والحب والنشوة الفكرية والانجاز ولا يحد من حلاوة تجربته الا بعض مرارة الخيانة والنكايات التي حاكها بعض الذين اختلف معهم او شعروا بانه ينتمي الى مدرسة غير مدارسهم ويقول كلاما يصعب عليهم تقبله.
من بين كل ابناء جيله من رواد السياسة واعضاء مطابخ القرار لا يزال ابا السعيد يقيم في منزل متواضع على الحد الفاصل بين الجبيهة وصويلح حيث لم تسمح له انشغالاته بالفكر وصياغة التصورات والنظر فيما يحمله المستقبل وممارسة متعة المعرفة والاستكشاف ان يقتطع شيئا من الوقت لشراء الاراضي وبناء القصور وإقامة الشركات ليشيد قصراً في عبدون ويضيف لها فيلا وقصوراً في مدن السياحة والسياسة والمال الاخرى.
قبل ايام اجتمع العشرات من المتقاعدين واصحاب الفكر حول طاولة مستطيلة جلس على راسها معالي ابو السعيد ملبيا لدعوة منتدى الرواد الكبار للحديث عن رحلته الانسانية السياسية عبر تسعة عقود من الزمان حيث اخذنا الرجل بصدق وعفوية ونبل الى جبل عيبال حيث ولد لأسرة يقوم على رعايتها والده الذي كان يعمل في اولى الصناعات التي عرفتها فلسطين ابان الحرب العالمية الثانية وليصف لنا بلغته العذبة وقدرته على اختراق الانفس المعاناة التي عايشتها اسرته في الزمن الصعب .
حدثنا عن التعليم والنجاح وقسوة الظروف والمرض والموت والحياة والاحتفاء بالفرص ومخاوف الاباء وقرارات الاستثمار في التعليم التي تقوم عليها النساء وينفذها الرجال... قال لنا الكثير عن الاردن في ستينيات القرن الماضي وشكل التهديدات وتدخل الفراسة في انتقاء الرجال وروح الرفاق والتسامح وفهم الاختلاف ومساحات الاجتهاد ودور القيادة في تطوير القدرات القيادية والعوامل التي مكنت البلاد من اجتياز المؤامرات وبناء امة شعر الجميع بصدق الانتماء لها والاستعداد للتضحية في سبيل رفعتها وعزها.
المفكر والمنظر والسياسي عدنان ابو عودة كان حاضرا وفاعلا في مسيرة دولة هبت عليها رياح عاتية غير ذي مرة وكان يمسك مع العشرات من رفاقه الرجال بالرواسي والاعمدة التي اقيم عليها البناء فهو يعرف بعقله الحزبي الأخطار وبملكته التحليلية تقييمها وبخبرته السياسية مواقف المعارضين والمؤيدين ويعرف قوة الامة ومصادر ضعفها.
ما قاله ويقوله عدنان ابو عوده عن الاردن والقضية الفلسطينية والعالم العربي وما يحدث في العالم يجعل منه كنزا من كنوز بلدنا التي ينبغي ان تحاط بكل عناية وتقدير، ففي امريكيا يبقى كسنجر حيا في المشهد الامريكي رغم مرور خمسة عقود على تركه للموقع الرسمي.
لكي تنجح الامة وتداوي اعتلالاتها ينبغي الاستماع لعدنان ابو عودة ومن هم على شاكلته وان نتوقف عن سياسة الاقصاء والاستبعاد والتسميم وتصفية الخلافات، ففي بلادنا متسع لسماع كل الآراء حتى التي قد لا تعجبنا.