أبواق الفتنة في الخليج من خلايا نائمة
راشد صالح العريمي
27-02-2017 12:42 PM
منذ جريمة غزو الكويت عام 1990، لم تكن منطقة الخليج في مواجهة اختبار مصيري أكثر مما هي عليه الآن. ولا مبالغة في القول إن الوضع الحالي أصعب مما كان عليه لدى غزو الكويت، فقد كانت كلمة الخليج والعالم العربي والعالم بأسره واحدة آنذاك في رفض العدوان والإصرار على دحره مهما كلف الأمر. وعدا بضع دول وبضعة أفراد لا وزن لهم في المعادلة وقتها، ومن بينهم المخلوع علي عبدالله صالح، لم يكن هناك من يتوقع نتيجة مختلفة عما حدث بالفعل. والتهديد الذي نواجهه في الوقت الحالي أعمق خطراً وأفدح أثراً، لأنه يجرى في سياق دولي مختلف، ويجد بين ظهرانينا في الخليج، وهذا هو الأخطر، من يقوم بدور طابور خامس من خلايا «الإخوان» النائمة.
الحقيقة التي لا مراء فيها أن الإمارات العربية المتحدة كانت الشريك الأول للمملكة العربية السعودية منذ انطلاق «عاصفة الحزم»، وقبلها بسنوات كان رجال القوات المسلحة الإماراتية إلى جانب رجال المملكة العربية السعودية يؤدون واجبهم في حفظ أمن البحرين الشقيقة ويحبطون مخططات الفوضى فيها. وعلى رغم أن المهمة في البحرين لم تكن يسيرة، وأن دماء إماراتية غالية روت دماء أرض البحرين الشقيقة، فإن قرار حماية اليمن من مخطط الابتلاع الإيراني من طريق «عاصفة الحزم» كان انتقالاً محورياً وعلامة فارقة في تاريخ المنطقة لا يشبه ما بعدها ما قبلها. ومن المؤكد أن دولاً أخرى قدمت أشكالاً من المساعدة والدعم لـ «عاصفة الحزم» و «إعادة الأمل» من بعدها، لكن المؤكد أيضاً أن ذلك لا تمكن مقارنته بأية حال من الأحوال بدور الإمارات وجهودها إلى جانب الشقيقة الكبرى.
طبيعة اليمن الجغرافية وتعقيداته السياسية والقبلية، وحجم تسليح الحوثيين وتمرسهم بحرب العصابات ومعرفتهم بالأرض التي يخوضون عليها معاركهم، وتحالفهم الانتهازي مع علي عبدالله صالح، والدعم الإيراني المفضوح، وانتشار السلاح في كل مكان، كل ذلك كان ينذر بحرب ضارية ومكلفة اقتصادياً وبشرياً، ويضاف إلى ذلك خبرات تاريخية تفيد بأن اليمن كان قادراً على إجهاد من يخوضون الحروب على أرضه، وجرهم إلى استنزاف طويل يقود في النهاية إلى الهزيمة. وعلى رغم ذلك كله لم تتردد الإمارات لحظة في خوض الحرب وتسخير كل إمكاناتها لإعادة الشرعية وحماية المنطقة ودولها كافة من مخططات إيران التي زرعت على حدود دول مجلس التعاون كياناً إرهابياً مسلحاً متأهباً للعدوان حينما تصدر إليه الأوامر من طهران.
طوال عامين، سطرت القوات الإماراتية والسعودية ملحمة من الإخاء والتعاون والأداء العسكري المتقن، أدت إلى تحرير معظم أجزاء اليمن من أسر الانقلابيين، ولا تزال المواجهة في أوج احتدامها. وإذ يدرك أذناب إيران وتوابعها أن التحالف السعودي - الإماراتي هو الصخرة المتينة التي انكسرت عليها أوهام السيطرة على اليمن، فقد عملت الآلة الدعائية التابعة لهم، في خضم ما تمارسه من تضليل، على اختلاق إشاعات وقصص تزعم وجود اختلافات أو تباينات في وجهات النظر بين السعودية والإمارات، وتكرار هذه المزاعم بكثافة وعلى المدى الطويل، وتغذيتها بمزيد من الوقائع والحوادث كل يوم، لعلها تنجح في خداع بعض الناس عن حقيقة الهزيمة التي مني بها الانقلابيون.
ليس مستغرباً أن يلجأ إعلام العدو إلى هذه الحيلة، لكن المستغرب أن يتم استخدام الأسلوب نفسه من جانب أشخاص يرتدي بعضهم مسوح الناصحين والحريصين على المصلحة الخليجية، وهم في الحقيقة لم يفعلوا أكثر من تقديم خدمة مجانية للأعداء المتربصين، وتكرار دعايتهم الرخيصة وقد اكتسبت قوة بصدورها هذه المرة عن أشخاص يزعمون أنهم حلفاء للسعودية، ومعادون لإيران وأذنابها. ومثل هذا السلوك ليس مجرد خطأ يمكن السكوت عنه، بل يدخل في باب الخيانة الصريحة الواضحة، والعمل لمصلحة العدو ومساعدته في تحقيق هدفه، وهو إيجاد ثغرة للخلاف، وتصدير صورة سلبية إلى العالم وإلى شعوب الخليج تشوه بطولات أبنائنا وتضحياتهم في اليمن.
العلاقات السعودية - الإماراتية لن تهتز لمثل هذه الدعاوى الجوفاء، ولن تدرك أبواق الفتنة معنى أن تختلط دماء الشهداء الزكية من البلدين، وأن تخوض قواتهما المسلحة طوال عامين معارك مشتركة، وأن يواجه الجنود في كل منهما الأخطار موقنين بأن أشقاءهم يحمون ظهورهم، وأن كلاً منهم هو السند لأخيه الذي يقاسمه تضحياته ويشاركه هدفه النبيل. ولن يعلم خبثاء الطوية عمق أخوة السلاح التي جمعت القادة العسكريين الإماراتيين والسعوديين وهم يخطون معاً فصلاً في كتاب البطولة والشرف. ولن تستوعب عقولهم المشوشة بالنفاق وسوء القصد متانة الصلات بين القيادة الحكيمة والرشيدة في البلدين الشقيقين، بعد أن اتضح للعيان الطرف الذي يتاجر بالكلمات وينكص على عقبيه حين تحين الحقيقة.
أحاديث الفتنة التي يسوّق لها خفافيش الخلايا النائمة لجماعة «الإخوان المسلمين» ستذروها الرياح، لكنها لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، ولا أن نترك مطلقيها يمضون بفعلتهم وكأن شيئاً لم يكن، فهؤلاء لا يريدون بنا ولا لنا خيراً، وهم علينا لا معنا، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدروهم أكبر. وليس من الحكمة التسامح وغض الطرف مع من يفتح أبوابه للأصوات الناعقة، ومن يسخّر منابره وإعلامه من أجل ترويج أحاديث الإفك.
لقد اختارت السعودية والإمارات أن تخوضا هذه المواجهة الصعبة نيابة عن منطقة الخليج بأسرها، ونيابة عن العالم العربي الذي تستهدفه إيران بالتخريب والهيمنة. والمهمة التي تقوم بها الدولتان هي مهمة استعصت مثيلاتها على دول عملاقة وتحالفات عالمية كبرى، فليس الأمر متعلقاً بمعركة عسكرية أو معارك يخوضها البلدان على أرض اليمن، بل يشمل المهمة توفير سبل الحياة في المدن المحررة، وتوفير الخدمات في مناطق فقيرة ومحرومة من الخدمات، ضربها الجوع والفقر، وتركها الحوثيون وقد دمروا منها ما استطاعوا، ويتربص بها الإرهاب بجماعاته التي انتشرت في ظل الفوضى وغياب الدولة، ويتم هذا كله في إطار من العلاقات القبلية والتباينات المناطقية وإرث للتحالفات والعداوات المتبدلة باستمرار.
إن ما حققته السعودية والإمارات في هذا الجانب أقرب إلى المعجزة، وسيبدو حجم الإنجاز أكثر وضوحاً إذا استحضرنا الفشل الذي لحق بالأميركيين وهم يحاولون أداء مهمة مشابهة في العراق، على رغم الإمكانات الهائلة للولايات المتحدة الأميركية، ولقائمة طويلة من الدول الكبرى كانت تعمل على تحقيق الهدف نفسه.
للحرب ضروراتها، ومن المعروف أن ارتكاب مخالفة أو جريمة في الظروف العادية قد تترتب عليه عقوبة بسيطة، لكن المخالفة نفسها وقت الحرب تستلزم عقوبات رادعة وقاصمة، لأن كلفة أي خطأ قد تكون فادحة. وقياساً على ذلك، فإننا إذا كنا اعتدنا من دولة ما أو جماعة بعينها أن تمارس وقت السلم تدبير المكائد واصطناع الخلافات، فإن تكرار السلوك نفسه ليس مقبولاً وقت الحرب، ويصعب تمريره.
والمملكة العربية السعودية وقادتها هم الأكثر إدراكاً ووعياً بما يُبطنه ناصحو السوء، لذا فقد كان رد المملكة على ترهات المرجفين رداً عملياً، تمثل في تنامٍ متصاعد للعلاقات السياسية والاقتصادية طوال السنوات الماضية، وتكثيف للقاءات والزيارات التي تجمع القيادة في البلدين، وتعميق للتعاون الذي شهدنا إحدى فاعلياته المهمة الأسبوع الماضي، متمثلة في «خلوة العزم» التي احتضنتها الإمارات العربية المتحدة، وضمت 150 من كبار مسؤولي البلدين لتعميق الشراكة الاستراتيجية وتوسيع مجالاتها. ومثل هذه العلاقات لا تنال منها سفاهات الصغار وألاعيبهم، الذين لن يحصدوا آخر الأمر إلا خيبات الأمل.
نقلا عن الحياة