لو بقي غارسيا ماركيز حيا لربما اعاد النظر بروايته الشهيرة خريف الباتريرك وعثر على اجابة شافية على سؤال الراوي وهو يتجول في اروقة الرخام حيث تمتزج رائحة البخور برائحة القهوة والعطور النادرة، وهو اين يعشش غراب السلطة في هذا العالم الذي ترشح الرفاهية من كل شيء فيه .
ففي القرن الحادي والعشرين وفي ذروة ما بلغته الثرثرة عن حقوق البشر والديموقراطية، يحتفل امبراطور بعيد ميلاده الثالث والتسعين وتزدان البلاد كما العباد في هذه المناسبة الامبراطورية المجيدة ، ويقول الامبراطور ان الله امدّ في عمره من اجل انقاذ الوطن لأنه الضرورة المقدسة والسلفادور الذي لا خلاص الا به وعلى يديه !
يرفض الامبراطور ان يكون له خليفة او نائب لأنه يتوهم بأنه خالد وان الابدية من حقه وحده بين كل البشر الفانين . وما يقوله علم النفس عن الامبراطور الخالد هو انه بمرور الوقت وتضخم الذات يعتبر نفسه استثناء في هذا الوجود وانه لا يموت، وهو يذكرنا بأباطرة قدماء في التاريخ كانوا يفرضون على ورثتهم ان يقتلوا اعدادا غفيرة من الناس كي يدفنوا معهم ويتفرغوا لخدمتهم في العالم الاخر !
ربما وحده يوليوس قيصر من عيّن موظفا يهمس في اذنه عندما يشتد التصفيق له وينحني له الناس حتى تلامس رموشهم اقدامهم قائلا له انه سيموت ايضا ذات يوم وهذا ايضا ما قاله جوزيف ستالين عندما ابلغه احد جنرالاته بالانتصار فقد ادار بطرف اصبعه كرة ارضية مصغّرة على مكتبه وقال : الموت سوف ينتصر علينا جميعا .
ما كتبه ماركيز عن الباتريرك في خريفه لم يكتمل، وكان عليه ان ينتظر بضعة اعوام اخرى كي يرى الامبراطور يحتفل بعيد ميلاده الثالث والتسعين ويصف نفسه بأنه ضروري كالماء والهواء .
لكن أليس التاريخ ذاته امبراطورا وديكتاتورا لا يعترف بضحاياه من المهزومين، ما دام الذي يمليه هو القوي المنتصر ؟
ان الانسان في اقصى جبروته لا يعترف باية حدود الا تلك التي توضع رغما عنه، واذا كان هذا هو خريف الامبراطور فكيف كان ربيعه ؟؟
الدستور