ما يزال السؤال هل القرارات المتلاحقة لرفع الأسعار هي لسد العجز أم لسد ثقب الأوزون؟! فلم تعد الحكومة الرشيدة تكتفي بالرفع على ماتقدم من سلع وخدمات، بل عادت لتستولي على الحضارات التي شيدت ماقبل الميلاد ليساهم الأنباط معنا في سد العجز!
حين نحت الانباط البتراء بالصخر، لم يكن العطاء عن طريق وزارة الأشغال العامة، ولم يكن الحفر بمنحة أوروبية عن طريق وزارة التخطيط، ولم تكن الفكرة من ضمن خطط وزارة السياحة والآثار بتنويع المنتج السياحي، ولم يأت الانباط إلينا بفضل التسهيلات المقدمة من هيئة تشجيع الاستثمار، ولم تقدم وزارة المالية لهم أي إعفاءات ضريبية، كما أن الضمان الاجتماعي لم يشمل العاملين بالنحت ضمن المهن الأكثر خطورة، ولم تعف دائرة الجمارك العامة أدوات الحفر من الرسوم، كما لم يقم وزير الصحة بزيارة تفقدية للمصابين العاملين بنحت البتراء نتيجة سقوط إحدى الصخور عليهم، ولم تمنح وزارة العمل العاملين بالنحت تصاريح عمل معفاة من الرسوم، ولم يقم الرئيس والوزراء المعنيون بزيارة تفقدية لسير العمل بنحت البتراء قدم فيها توجيهاته بضرورة الإسراع في إنجازه وتذليل كل العقبات أمام الأنباط لتسهيل مهمتهم، كما أن التلفزيون الأردني لم يقدم برنامج يسعد صباحك من أمام الخزنة واستضاف العاملين في النحت للحديث عن تجربتهم والمصاعب التي يواجهونها.
الأنباط أشرقت حضارتهم من بين الصخور دون توجيهات ودون تسهيلات ودون منح، وأرادوا من عظمة إنجازهم أن يخلدهم الصخر في التاريخ، وأن تشكل مدينتهم الصخرية إلهاما للبشرية جمعاء؛ إنه بالانتماء والصبر والعمل تبنى المدن والأوطان، لا بالخطط والاستراتيجيات والمؤتمرات الزائفة!
تأتي حكومة الملقي لتقرر رفع رسوم دخول السائح العربي إلى البتراء ليصبح 50 دينارا بعد أن كان دينارا واحدا، وهي لم تقدم للأنباط شربة ماء أو (إزميلا) للنحت!
الأنباط، كثّر الله خيرهم، حفروا، ونحتوا، وماتوا، دون أن يكون في خزنتهم بذلك الوقت ماقيمته خمسون دينارا، فتأتي حكومة الملقي وتستغل فنهم وصبرهم وتتاجر بموروثهم التاريخي لسد عجز الموازنة!
تخيل أنه قبل آلاف السنين، وحين كان الإنسان بدائيا ولم يكن يملك ولو(طاقية) تقيه حرارة الجو نحتت هذه الحضارة العظيمة، بينما اليوم رواتب، وسيارات، ومنح، وكل وسائل التقدم والرفاهية، وعجزنا عن بناء (حمام) يجد فيه السائح الزائر ضالته. فقد اشتكى دليل أجنبي مؤخرا من سوء المرافق الصحية، خمسون دينارا دخولية وحين يشتد بك المصاب (دبر راسك) بين الصخور، بينما دفع هذا المبلغ كرسوم في بلدان أخرى تتيح لك أن تعملها تحت (التكييف)!
ما ذنب الانباط بترهلكم وهدركم وفساد بعضكم، وربما لو أحيل عطاء البتراء في عهد الحكومات الأردنية لتعثر المشروع إلى الآن في منتصف (السيق)!
من المخجل وأننا مقبلون على قمة عربية في الأردن نريد أن نؤكد فيها على لحمتنا العربية، أن نرفع الرسوم على الأشقاء لنؤكد أننا عند الرفع لا فرق عندنا بين عربي وأعجمي الا بالدفع!
كَوني أصبحت من بلد الرفعات لا من بلد الحضارات، أخاف أن يزداد عجز الموازنة، فنطالب في مؤتمر القمة الإسلامي القادم المسلمين ببدل استخدام أراضي مؤتة، فقد دخلوا أراضينا في غزوة مؤتة وخرجوا ولم يدفعوا لنا شيئا!
الغد