يدخل العالم الغربي في أتون فوضى لم يكن احد يتوقعها او يعتقد بامكانية حدوثها على الأقل في المدى المنظور. التحولات التي يشهدها العالم الْيَوْمَ بصبغتها السياسية والصعود المتسارع للتيارات اليمينية او الشعبوية حسب تسمية الاعلام الغربي popularism movement يعد انعكاسا لواقع تعيشه هذه المجتمعات والدول الا وهو الإرهاق من الأنظمة الاقتصادية المعولمة ومن أدواتها وسياساتها بدءا من الاجتماعية منها وانتهاءا بالاقتصادية والسياسية وهو الامر الذي دفع بالملايين مثلا للتصويت ضد مرشحي المؤسسات الحزبية السياسية التقليدية. في امريكا نجح ترامب وبدا حملة غير مسبوقة مثلا على كل من يعارض نهجه وانقلب على اتفاقيات دولية وتوعد يسحب اليد الامريكية من منظمات دولية عديدة وتعهد بان امريكا ستأتي اولا وتعهد بمنع اللاجئين وبناء جدار عازل ومراجعة قوانين الهجرة والعمل لغير الأمريكيين وفِي دول أوروبية هنالك صعود متسارع لقوى شبيهة تقودها ماري لوبين في فرنسا والتيار الذي فصل بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي. مؤشرات الدراسات الاستراتيجية من مراكز عالمية عديدة تقول بان العالم على مفترق طرق حيث الخيارات الجديدة كالشعبوية وعداء العولمة بدأٓ يأخذان زخما داخل عديد المجتمعات، وفِي الأثناء تحافظ قوى عالمية على الصمت والمراقبة كسياسة استراتيجية كالصين والهند بينما تستمر روسيا في ذكرى ثورتها البلشفيكية بسياسة استعادة المجد السوفياتي وما يجري في أوكرانيا وجورجيا وبعض الأقاليم السّوفياتية سابقا خير دليل، هذا مشهد مختصر لما هو عليه العالم الان وفِي ظل المعطيات التي استجدت وتستجد كل يوم خصوصا مع السياسات الجديدة لامريكا فلا يمكن التوقع بما سيحدث على الأقل في المدى المنظور.
العرب ربطوا مصيرهم منذ ستينيات القرن المنفرط بمراكز قوى عالمية، هذه المراكز تناوبت فيما بينها على الإفادة والانتفاع من كل مصادر العرب وارضهم وجوهم وثرواتهم وانقسم العرب تبعا للقوى العالمية التي تحالفوا معها، جرب العرب كل شيءوكل القوى ولَم يفلحوا بشيء البتة سوى تعميق أزماتهم وانقساماتهم. العهد الترامبي الجديد مدعوما وبالتوازي مع صعود يميني شعبوي وتنامي تيار اقتصادي جديد يقوم على الاقتصاد الوطني اولا كما هو الحال في اجندة ترامب وفريقه وهو ما يعني لغة المنفعة والعائد والمردود والفوائد بالارقام، العرب يملكون المقدرة على اجبار هذه القوى للاستماع اليهم والاخذ برأيهم باحترام بالغ اذا امتلكوا قرارا سياديا وهو ما لا يأتي دون إرادة جمعية تصاحبها إصلاحات جذرية في البيت العربي.
وبناء عليه فان العرب الْيَوْمَ مدعوون اكثر من اي وقت مضى للترفع عن الخلافات الجزئية والجانبية التي أهلكت الحرث والنسل ودمرت دولا وانظمة ودفعت بالمستعمرين للعودة من بوابات عدة، انهم مدعوون للتصالح مع الذات وإعادة قراءة التاريخ البعيد والقريب وإجراء المراجعات الموضوعية كل حسب ما يقتضيه واقع حاله. ان العرب امام فرصة تاريخية قد يتمكنون اذا أحسنوا استغلالها من ازالة النظرة التي تكونت عنهم في الخمسين سنة الماضية بأنهم أمة لا تملك من امرها شيئا وقد يقدمون للعالم صورة جديدة تقوم على احترام ذات بينهم واحترام الاخر طالما احترمنا واحترم أمتنا، تقوم على التشاور والتحرك ككتلة واحدة في كل ما يخص امورهم، تقوم على حل مشاكلهم فيما بينهم ومنع التدخلات الغريبة، تقوم على أن يدعم القوي الضعيف ولا يستقوي عليه، تقوم على ان يساعد الغني الفقير ولا يستغل حاجته، تقوم على ان تحترم كل المكونات داخل المجتمعات العربية بعضها البعض دون النظر الى اللون او الدين او العرق او غير ذلك من عوامل التقسيم والفرقة، تقوم على ان تحسن الحكومات الظن بالمعارضات والعكس أيضا، تقوم على البحث عن ما يجمع والبناء عليه والتشاور على نقاط الاختلاف بمنطقية العقل ودون تغليب التعصب وما يغذيه، تقوم على التكامل الاقتصادي فنحن نملك كل المقومات، تقوم على أمور اخرى كثيره ولكن شرط ان تتوافر النية لذلك، اعلم أن الأحلام كثيرة ولكن ما هي الدنيا دون حلم ان نرى الأمة قوية واحدة موحدة.
اسأل الله ان تكون قمة عمان بداية طريق عمل عربي فاعل ومؤثر. والله ولي التوفيق